ذكر الدليل عند إجابة السائل

أي إذا سألك عامي، أو طالب علم عن مسألة، فهل تذكر له الدليل أم لا؟

في الجواب تفصيل:

إن كان السائل طالب علم فأجبه بالدليل، فإذا سألك -مثلاً- عن حكم ماء البحر هل أتوضأ به؟.

قل: نعم، والدليل على ذلك ما عند الخمسة وابن أبي شيبة بسند صحيح {أن أعرابياً سأل الرسول صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته}.

لكن إذا سألك عامي، أو أعرابي عن ماء البحر، لو قلت له: نعم ماء البحر طاهر، والدليل على ذلك قول امرؤ القيس:

قفا نبكِ من ذكرى حبيبٍ ومنزلِ بسقط اللوى بين الدخول فحوملِ

فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوبٍ وشمأل

هل يعترض عليك؟! لا، سيظن أنه حديث، ولذلك سواء ذكرت له الدليل أو لم نذكره فإنك لن تفيده شيئاً، إنما تجيب بالراجح.

ويحذر في الأجوبة على العامة أن تفرع لهم المسائل، كبعض الناس عندما سئل عن دباغ الجلود، هل تطهر إذا دبغت؟ قال: فيها سبعة أقوال: قال الزهري، وقال الروياني، وقال الماوردي، وقال الشافعي، وقال مالك، وقال داود الظاهري.

فجعل هذا العامي في حيص بيص لا يدري أهو في تنزانيا أو في مدغشقر، وهذا ليس من الحكمة، بل إذا سألك فقل الجواب كذا، كلمة واحدة.

فالدليل لطالب العلم، أما العامي فيعطى الجواب صريحاً بلا أقوال، بل الراجح في المسألة.

والدراسة في بعض المناهج التي تأتيك بأربعة أقوال ولا ترجح ليست من الحكمة، وهي حفظ للمعلومات فقط، وليس فيها مصلحة إلا أن ترجح القول الراجح في الأخير.

ومما يستطرف من المسائل أن الإمام البخاري بوب باباً فقال:

باب: السؤال والفتيا عند الجمار؛ أي الثلاث الجمار الكبرى والصغرى والوسطى، هل يسأل عندها؟

يقول بعض العلماء الشارحين على البخاري: مراده أن اشتغال العالم بالطاعة لا يمنع من سؤاله عن العلم، ما لم يكن مستغرقاً فيها، مع أنه خاص في الجمار لكن لا عبرة بخصوص السبب بل بعموم اللفظ فلو أتيت إلى عالم وهو يسبح، فلك أن تسأله، أو كان يقرأ القرآن لك أن تسأله، لكن إذا كان يصلي ومستغرقاً في الصلاة فلا تسأله.

وأورد حديث كان صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار فأتاه رجل، كما في حديث ابن عمر في الصحيح، وقال: {يا رسول الله! نحرت قبل أن أرمي؟ قال: افعل ولا حرج.

فأتاه آخر فقال: ذبحت قبل أن أرمي؟ قال: افعل ولا حرج.

وأتاه ثالث فقال: رميت قبل أن أحلق؟ قال: افعل ولا حرج.

قال: فما سأل عن شيء قُدِّم ولا أخِّر إلا قال: افعل ولا حرج} {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:78] {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286] والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي ويسبح ويذكر الله، ويقول: افعل ولا حرج، وكان يفتي الناس يمنة ويسرة.

وذكر ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله: أن معاوية لما انتهى من الحج في اليوم الثالث خيم في الأبطح، وكان خليفة المسلمين، نزل هناك، فأتى الحجاج ينزلون كالسيل، وبعد صلاة المغرب أمر معاوية أن تغلق السكة والطرق حتى يطوف طواف الوداع، ولا يكون هناك زحام، فصف الجنود، وقال: لا تأذنوا لأحد ينزل من الحجاج حتى أنتهي من الطواف، فإذا انتهيت فأذنوا للناس، فوقف الجنود يردون الناس، فأتى رجل من قريش عبد الله بن جعفر الطيار؛ من الذي يحبس عبد الله بن جعفر الطيار، ابن ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، هذا من أكرم العرب، ومن أكرم الناس، لم يكن يعرف كلمة (لا) وكان سخياً ماجداً، فأتى بالفرس، فقالوا له: ممنوع الدخول، فقال والله لأمضين، قالوا: ومن أنت؟ قال:

وأنا الأخضر من يعرفني أخضر الجلدة من نسل العرب

من يساكني يساكن ماجداً يملأ الدلو إلى عقد الكرب

فقال معاوية: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن جعفر.

قال: ائذنوا له.

فمر ومعه موكب ودخل الحرم.

فأتى الشاعر المخزومي عمر بن أبي ربيعة؛ ومعه موكب من الشباب، فقال: ائذنوا لي؟ قالوا: ممنوع، قال:

بينما يذكرنني أبصرنني عند قيد الميل يسعى بي الأغر

قال: تعرفن الفتى قلن: نعم قد عرفناه وهل يخفى القمر

قال: ائذنوا له.

فمشى.

فأتى ابن عمر رضي الله عنه على بغلة، قال: والناس حوله كالغمام، هذا يقول: فعلت، فيقول: افعل ولا حرج، وهذا يفتيه، فقال معاوية: هذا الشرف ورب الكعبة، ائذنوا لـ ابن عمر فكان أشرف الجميع، أشرف من معاوية وابن جعفر وابن أبي ربيعة.

وقد سمعت أن بعض الفضلاء يقول: لا يُسلم في أثناء المحاضرة والحصة والدرس، وهذا خطأ بل يُسلم؛ وإذا دخلت على الأستاذ والطلاب في الفصل فسلم عليهم.

أما قضية تسمح يا أستاذ؟ هذا مورَّدة من باريس وليست من محمد صلى الله عليه وسلم، إنما تقول: السلام عليكم ورحمة الله، وتكتفي، ولا تقول: كيف حالكم؟ كيف أصبحتم؟ كيف الأبناء؟ هذا ضياع للوقت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015