الصحابة لم يختلفوا ولم يسألوا الرسول عليه الصلاة والسلام في العقائد، إنما سألوه في الأحكام التشريعية الأخرى، أما العقائد فأجمعوا وسكتوا ورضوا وانتهوا إليها، وإنما أتت المباحثة والإشكالات في مسائل العقائد عند المبتدعة المتأخرين.
يقول ابن القيم في إعلام الموقعين: والصحابة بحمد الله لم يختلفوا في شيء من العقائد، ولم يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم في شيء من ذلك، يعني: سؤال اختلاف، فإن الله ذكر في القرآن: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] وقوله: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ} [البقرة:222] {وَيَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ} [البقرة:219] و {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة:219] إلى آخر تلك الأسئلة في خمسة عشر موضعاً في القرآن، لم يرد في شيءٍ منها في العقيدة، فهم بحمد لله لم يختلفوا بل أجمعوا وسكتوا.
لا تقل كما قيل:
لا تقل كيف استوى كيف النزول أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبول
يعني: لا تسأل عن هذا، ولا تصل إلى هذه الدرجة، بل سلم بالأمر، وبعض الناس يأتيك في القرن الخامس عشر يسأل في كيفية استواء الله على العرش والله يقول: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] فلنمرها كما جاءت بلا تكييف، ولا تمثيل، ولا تعطيل، ولا تحريف، كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].
وورد في القرآن قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] قال أهل العلم: متى يكون هذا؟ يقول الله للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا} [الزخرف:45]
قال بعضهم: معناه: اسألهم يوم القيامة.
وقال الآخرون: معناه: سؤالٌ محتمل، سوف تسألهم أو لا تسألهم.
وقال فريق: بل اسألهم، كما ذكر ابن كثير وغيره، أنه صلى الله عليه وسلم لما صلَّى بالأنبياء في بيت المقدس، جمعهم الله له، والتفت إليهم فأراد أن يسألهم، فرأى الجلالة والنور والمهابة، وأراد أن يسأل هل جعل مع الله إلهاً آخر؟
فاستحيى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45] فلم يسألهم، وكان هذا السؤال مقرراً أن يكون معهم.