هل لك إذا سألك السائل أن تجيب بأكثر مما سئلت؟
أولاً: في مقررات العقول ليس وارداً، ولكنه في مقررات الشرع وارد للفائدة: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه:17 - 18] قال الحسن البصري: [[طاب له الخطاب فأكثر في الجواب]] لأنه يخاطب الله عزوجل، فأكثر، وأنت إذا أعجبك الرجل السائل وهو من الناس زدت في الجواب، فكيف بالواحد الأحد سبحانه، الذي له المثل الأعلى.
فإذا كان الجواب فيه مصلحة للسائل، أو يقتضي السؤال أن تزيد فلك أن تزيد، وكان هديه عليه الصلاة والسلام إذا رأى حاجة السائل يحتاج إلى شيء زاده في الجواب، فأتى بجواب من أحسن ما يكون
وعند أبي داود والترمذي وابن أبي شيبة ومالك وغيرهم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله أعرابي عن ماء البحر -هل يجوز الوضوء منه؟ - فقال: عليه الصلاة والسلام: {هو الطهور ماؤه، الحل ميتته} ونصف علم الطهارة في هذا الحديث.
مع أنه لم يسأله عن الميتة.
لكن قال أهل العلم: لما سأله عن الماء وهو ظاهر أنه طاهر، فالميتة من باب أولى أنه لا يعرفها، ما دام أنه سألك عن ماء البحر هل أتوضأ منه؟ فمن باب أولى أنه لا يعرف حكم ميتة البحر، فقال عليه الصلاة والسلام: {هو الطهور ماؤه، الحل ميتته}.
والفائدة: أن من توضأ بماء البحر جاز، ومن اغتسل به جاز، سواء عنده أكان ماء عذب أو لا، وهذا شبه إجماع بين أهل العلم، ولا أعلم من خالف ذلك إلا عبد الله بن عمرو بن العاص والماوردي من الشافعية، وكلام الاثنين مردود رحمهما الله، بل الصحيح هو ما ذكرت.
والميتة: هي ميتة البحر مما يعيش ويموت فيه، أما أن تأتي بكلب من الشارع وتغطسه في البحر وتقول: ميتته! فهذا ليس المراد؛ لأن الضمير يعود على ميتة البحر.
وقالوا: أيضاً مما لا يستقبح، وابن حزم يحمله على العموم، يقول: كل شيء يموت في البحر كله حتى كلب البحر، ودواب البحر، وثعبان البحر، والصحيح مما لا يستقبح كالضفادع والسلحفاة، خلافاً لما قاله ابن حزم، وهذا ليس من مسائلنا في شيء.
لكن المقصودِ أن نبين لك أن الجواب قد يكون أكثر للفائدة، فالأستاذ إذا سأله الطالب سؤالاً خفيفاً ورأى من الحكمة أن يجعله محاضرة، فلا بأس.
ومن الحكمة في
صلى الله عليه وسلم أنه إذا سألك سائل، ورأيت الجواب أحسن أن تلف، ويسمى جواب الحكيم، وهو في القرآن قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] تدرون من سأل؟ قريش، يقولون: كيف الهلال يبدو صغيراً ثم يكبر ويكبر ويكبر حتى اليوم الخامس عشر، ثم يصغر يصغر يصغر حتى آخر الشهر، ما هو الجواب على هذا: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ} [البقرة:189] الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحبهم، لكن اسمع جواب الحكيم سبحانه: {قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189] المعنى: أن سؤالهم تافه حقير مثل حقارتهم، لكن الأولى أن يسألونك عن فائدة الهلال، فما دام أنه يفترض أنهم سألوا عن فائدة الهلال ف
صلى الله عليه وسلم { قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:198].
وأنتم أخذتموها في البلاغة أنه جواب الحكيم، قال الزين بن منير؛ وهو من شُرَّاح صحيح البخاري: مطابقة الجواب للسؤال غير لازم، بل إذا كان خاصاً والجواب عاماً جاز؛ وهذا كلام ثمين.