ومن أخطاء المؤرخين اتباع الهوى والميل للمذاهب؛ فتجد المؤرخ المعتزلي يشيد بـ المعتزلة ويجعلهم هم المصيبين وكأنهم أهل السنة وأهل الوسطية، وينحي باللائمة على غيرهم، وتجد الشيعي كذلك بمجد الشيعة كـ ابن عبد ربه مثلاً في " العقد الفريد " دائماً يبكت الخلفاء الأمويين والعباسيين ويشيد بأهل البيت على حساب غيرهم.
مثلاً: صاحب " مروج الذهب المسعودي، تجده كذلك يذكر قصصاً وأعاجيب وينحي باللائمة على كثير من علماء الإسلام ومن أهل السنة.
وهذا وقع فيه المفسرون والمحدثون والمؤرخون إلا من سلم الله، فالهوى والميل للمذاهب والطوائف أمر معلوم حتى تجد المؤلف إذا كان شافعياً كـ ابن السبكي في " طبقات الشافعية " تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي يأتي بالرجل الشافعي فإذا كان أشعرياً مدحه وأثنى عليه ومجده ورفع منزلته حتى يقول عن أبي المعالي الجويني وهو أشعري يقول:
المزني قطرة من مزنه والأشعري شعرة في صدره
ومن هذا الضرب.
فإذا أتى إلى علماء السنة وعلماء السلف نقص حقهم حتى يقول عن ابن تيمية: أما ابن تيمية والبرزالي والمزي والذهبي وهؤلاء فقد أنزلهم ابن تيمية في دركة من النار.
فعلى هذا المنحى أصابهم الميل، وتجد الحنفي يأتي بتراجم الأحناف، رأيت حنفياً كتب تاريخاً للأحناف بدأ بـ أبي حنيفة فقال: يقول عليه الصلاة والسلام: {سراج أمتي أبو حنيفة} وهذا حديث موضوع لم يقله عليه الصلاة والسلام.
ثم يقول في حديث آخر: وقال عليه الصلاة والسلام: {إني أفخر بقوم وبأمة فيهم أبو حنيفة} والله ما قاله عليه الصلاة والسلام، وإن هذا من كيس هذا الحنفي الكاتب.
يقول بعض المؤرخين من أهل السنة: نقل أن أبا حنيفة رئي في المنام على كرسي أحمر من زبرجد في الجنة، وهذا قد يكون.
فغضب المالكية وأتى مالكي وقال: رأيت مالكاًً فوق أبي حنيفة في كرسي في الجنة.
فأتى الشافعي فقال: فرأيت الشافعي في أعلى عليين ينظر لـ مالك ولـ أبي حنيفة بربض من الجنة.
وهذا من العصبية المقيتة والهوى: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26].
حتى تجد الإنسان إذا أراد أن يتكلم عن أهل منطقته أخرجهم كلهم كأنهم صلاح الدين وخالد بن الوليد.
ورأيت تواريخ حتى في المناطق والأقاليم في أناس عاديين، إما نائب قبيلة، أو عريف في قرية، أو رجل عادي يتكلم عنه، وكأنه يتكلم عن الذهبي أو يتكلم عن ابن خلدون أو شيخ الإسلام ابن تيمية.