فمداولة الأيام بين الناس يغفلها كثير من المؤرخين.
والله يقول: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].
وقال عدي بن زيد:
أيها الشامت المعير بالدهـ رأأنت المبرأ الموفورُ
أين كسرى كسرى الملوك أنو شروان أم أين قبله سابورُ
وبنو الأصفر الكرام ملوك الأرض لم يبق منهم مذكورُ
يقول: تعيرنا لأننا هزمنا وسحقنا، فقد كان يحمل دولة، وكان عنده سلطة فأبيد، فقال: هذا هو الدهر.
وقال رجل أصيب -وقد عزاه رجل شامت- فرد عليه، قال: في كل واد بنو سعد.
ومرض معاوية وكان حريصاً على الملك فدخل عليه ابن عباس في مرض الموت، فأراد أن يظهر التجلد وأن يظهر القوة وقام.
قال ابن عباس: اجلس!
وإذا المنية أنشبت أظفارها ألفيت كل تميمة لا تنفع
فقال معاوية البيت الذي بعده:
وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتضعضع
وليس في الدهر شماتة، ولكن {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140].
فيوم علينا ويوم لنا ويوم نُساءُ ويوم نُسر
واعلم كما قال أحد الوعاظ للخليفة العباسي المهدي: اعلم أن رباً أخذ أباك وأجلسك في هذا المكان، سوف يأخذك ويجلس ابنك مكانك، قال: ولو لم يفن الله الملوك الذين من قبلك ما جلست أنت في هذا المكان.
وقالوا:
وسلاطينهم سل الطين عنهم والرءوس العظام صارت عظاما
فالأيام لا تبقى على حال:
لكل شيء إذا ما تم نقصان فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول من سره زمن ساءته أزمان
والمغرور من ثكلته أمه، واغتر بحاله، وركب رأسه، وظلم واعتدى وبغى، ونسي أن الذي أزال الآخرين سوف يزيله عما قريب.