ومنها: قضية التلهي بالطير، وأنه لا بأس للمسلم أن يعطي أبناءه بعض اللعب خاصة الصغار منهم، التي يتسلون بها، ولكن بشرط أن تكون اللعب المباحة، أما اللعب المجسمة وهذه التصاوير، مثل صور البنات والأطفال والخيول، فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذه ليست من جنس اللعب، وأنها لا يجوز أن تدخل البيوت؛ لأنها منحوتة؛ ولأن فيها تشبه بخلق الله عز وجل، وهي مذمومة، وكأنها تأخذ ظاهر الحديث: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب ولا صورة ولا جنب ولا كافر} هذا الحديث في السنن وهو حسن، وفي السنن حديث صحيح: {لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب} أما قوله: {ولا بيتاً فيه صورة ولا جنب ولا كافر} فهو حديث حسن، ومن العلماء من صحح هذه الجملة كلها.
فالمقصود أن هذه اللعب ينبه عليها ولا تدخل البيوت؛ فإنها تخرج الملائكة، وهي خدش للتوحيد؛ لأنها مشابهة لخلق الله تعالى وهي منحوتة، وقد يستدل بعض الناس، ويقول: أدخلها بيتي؛ لأنه أثر أن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، كانت لها خيولٌ تلعب بها؛ لأنها كانت طفلة، فدخل صلى الله عليه وسلم عليها، وكان للخيول أجنحة، فقال: {ما هذه يا عائشة؟ قالت: خيول، قال: خيول بأجنحة؟! قالت: يا رسول الله! سليمان كانت له خيولٌ بأجنحة، فتبسم عليه الصلاة والسلام وسكت} قال العلماء: لم تكن عائشة تصور الخيول كصورة الخيل، فهي لا تستطيع أن تصور رأس الخيل، وعينيه ويديه، وأرجله، وذيله، أو تصور قامته وسمكه، فيكون خيلاً كما يفعلون الآن؛ لأن هذه مصانع متخصصة، وشركات عالمية متطورة، فصناعة اللعب هذه تأتي بتعب وجهد، ووراءها مفكرون حتى تنتج للناس، فـ عائشة رضي الله عنها أتت بعود وجعلت قطعة قماش من هنا وقطعة من هنا، وقالت: هذا فرس، وهو ليس بفرس ولا يشبه صورة الفرس والخيل، فهذا ليس من هذا أيها الأبرار.
واللعب التي يلعب بها الأطفال، كالدراجات والسيارات، والطائرات، واللعب، والصفارات، إلى غير هذا، وهي لا بد في فترة من الفترات أن يكون عند الأطفال منها شيء، أما إذا بلغ الطفل خمس عشرة سنة وتشتري له دراجة فيصبح دائماً في الشوارع فهذا لا ينبغي، بل لا بد أن يكبر عقله مع كبر سنه حتى يعلم مهمته في الحياة.
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
يقولون: الرسول عليه الصلاة والسلام لما بلغ السابعة من عمره، كانت لـ عبد المطلب سجادة في ظل الكعبة، ممنوع أن يجلس أحدٌ على هذه السجادة، وهي لا تأخذ إلا رجلاً واحد، فلا يجلس فيها إلا عبد المطلب سيد قريش والعرب، وكانت تفرش قبل العصر، فيجلس، وتجلس إليه قريش وكبراء العرب وملوك العرب عنده، ولو أتى ملك من ملوك الدنيا فإنه لا يجلس عليها.
فالرسول صلى الله عليه وسلم كان دائماً إذا أتى لا يجلس إلا على هذه السجادة، فتقيمه قريش فيقوم من مكانه ويجلس على السجادة، فيقول عبد المطلب: والبيت ذي النصب والحجب، والنجوم والشهب، إن لهذا الابن سبباً من السبب، يقول: والله إن هذا الابن ليس بعادي، وإنه سوف يكون عظيماً من عظماء الدنيا، ونحن نقول: ليس من عظماء الدنيا، بل هو أعظم عظيم في الدنيا عليه الصلاة والسلام، فهمته العالية جعلته يجلس هناك.
يقول ابن القيم في كتاب الفوائد: قيل: لدويدة صغيرة تحرك القذر والأذى، مالك تفعلين هذا بنفسك؟ قالت: همتي أنزلتني إلى هذا المكان.
فالمقصود أن التلهي باللعب لا بأس به، لكن بالشروط التي ذكرت، وإقامتهم على الصلاح، وعلى تَعَلُّم العلم فهو لا بأس به، أما تعليمه في سن لا يعقل فيها، فهو إتعاب للنفس فقط، فمن السابعة يبدأ بالمسجد، ويبدأ بالتعليم، ويبدأ بحفظ وقته، وحضور الجلسات والاستفادة من أهل العلم.