فهذا الحديث: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} كان هناك رجل يسمى صالح جزرة، وهو محدث كبير، وحافظ المشرق، أتى من الشمال، فقال له أبو حاتم الرازي: ماذا وقع عندكم في الشمال؟ قال: كل خير، مات الشيخ فلان، وأتى محدث آخر فأول ما قرأ علينا، حديث: يا أبا عُمَير! فقال: يا أبا عَمِير! ما فعل البعير؟
يقول ابن حجر: من التصحيفات التي وقعت في الأحاديث مثل ما وقع في هذا الحديث، والتصحيف هو: تغيير الكلمات.
وفي هذا الحديث قضايا:
منها: أن هذا الطفل مات بعدما مات النغر ويقولون: هو الطفل الذي قصد في الحديث الصحيح، أنه ولدٌ لـ أبي طلحة، وكان مريضاً، فدخل أبو طلحة ليلة من الليالي، وإذا بطفله قد مات، وهو لا يعلم أنه قد مات، وكانت أم سليم امرأة عاقلة، رشيدة، زاهدة، فغسلته وكفنته وسجته، فدخل أبو طلحة، وقال: كيف الطفل؟ قالت: ما ارتاح إلا هذه الليلة، وهو في أحسن حال، فظن أنه مرتاح، فلما أصبح الصباح أخبرته الخبر، فأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: {بارك الله لك في ليلتك} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فأخلفه الله بتسعة أولاد كلهم حفظوا القرآن، وأصبحوا من علماء الأقاليم في البلاد الإسلامية، ومنهم إسحاق بن أبي طلحة أحد رواة البخاري ومسلم من أكبر العلماء في الدنيا، تسعة حفظوا القرآن، وأصبحوا علماء ودعاة إلى الجنة.
ومن القضايا كذلك بارك الله فيكم: أن الرسول صلى الله عليه وسلم سجع في الحديث هذا، فقال: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} وفي القرآن سجعٌ لكنه ألذ من الشهد، وأحسن من الماء الزلال: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً} [الذاريات:1 - 2] {وَالنَّازِعَاتِ غَرْقاً * وَالنَّاشِطَاتِ نَشْطاً} [النازعات:1 - 2] {والْمُرْسَلاتِ عُرْفاً * فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفاً} [المرسلات:1 - 2] إلى غير ذلك من الآيات فيها سجع، ولكنه غير متكلف، بل هو نورٌ يهدي به الله من يشاء صراطاً مستقيماً.
ومن القضايا: أنه يجوز جعل الاسم بدل الكنية، فـ أبو بكر يقولون: اسمه كنيته، وبعضهم يقول: اسمه عبد الله بن عثمان، والظاهر والله أعلم أن أبا عمير اسمه كنيته.