يذكر في السيرة -وفي هذا شيء من المبالغة، ولكن ذكروه- أن خالد بن الوليد رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، خاض ما يقارب مائة معركة، ومع ذلك ما قتل وإنما مات على الفراش؛ لأن الواحد الأحد كتب له أن يموت على الفراش وألا يقتل في المعركة.
ورأيت بعض العلماء كما في البداية والسير وغيرها ذكر أن أحد الصالحين ترك أكل الأرز، وقالوا له: لِمَ؟ قال: لأني أخاف أن أجد فيه عظماً فينشب في حلقي فأموت.
فأتى ابنه في آخر حياة هذا الرجل، فأتى بأرز وصفاه من العظام، وقال: يا أبتاه! كُل الأرز فإني قد نقيته من العظام، كل من فضل الله عز وجل، قال: باسم الله، فنشب في حلقه عظمٌ فمات.
وبعض الناس عنده تحفظ إلى درجة الوسوسة، ولو وثق برعاية الله مع أخذ الأسباب وتوكل على الله، ما يهمه شيء.
يقولون: فلان من الناس لا يركب السيارة خوفاً من الحوادث، وعنده حمار، في الصباح، يقف بالحمار عند الإشارة، وتجده ذاهباً وراجعاً بحماره، لماذا؟ قال: خوفاً من هذا الحديد، كأنه ما بقي في الدنيا إلا هذه النفس النفيسة أن تموت، قالوا: وأرسل الله عليه سيارة فتصدمه وحماره، فمات:
لقد ذهب الحمار بأم عمرو فلا رجعت ولا رجع الحمارُ
فالمقصود: أن بعض الناس تبلغ بهم الوسوسة في بعض القضايا حتى يأتيهم خوف من البشر.
وهذه قضية موجودة في الرأي العام، ونستقرئها ونعيشها في أنفسنا: أننا كثيراً نخاف من البشر أكثر من خوفنا من رب البشر.
فالآن تصور أن الناس إذا أرادوا أن يتحدثوا عن بعض القضايا، وهم في المجلس فإنك ترى الواحد منهم وهو ينظر إلى النافذة، وينظر في وجوه الجالسين، وينظر في الأجهزة التي أمامه، وينظر عن يمينه وخلفه، ولكن وأنت تغتاب أما نظرت إلى الله؟! وأنت تنم وتشهد الزور وتعصي الله عز وجل أما خفت من الله وهو الرقيب سبحانه؟! وهو الذي معك أينما كنت: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ} [المجادلة:7].