ذكر ابن عبد الهادي تلميذ شيخ الإسلام: أن ابن تيمية رحمه الله لما وصل إلى الاسكندرية، خرج الناس يريدون القصاص من ابن تيمية، لماذا؟ ألأنه سرقهم؟ هل أخذ أموالهم؟ هل سفك دماءهم؟ لا.
بل كان يريد أن يقيم لا إله إلا الله في الأرض، فكل شيء يهون عند ابن تيمية إلا (لا إله إلا الله) يمكن أن يتفاوض على أمور الدنيا، أما أمور الدين فلا.
فتجابه مع البطائحية، وجابه الغلاة والزنادقة، وجابه المعطلة والجهمية، وجابه النصيرية والمعتزلة والأشاعرة، فكلهم خصومه:
وقفتَ وما في الموت شك لواقفٍ كأنك في جفن الردى وهو نائم
تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاحٌ وثغرك باسمٌ
ولو تحدث ابن تيمية عن التيمم والمسح على الخفين وبيع العينة ستين سنة لما اعترض عليه أحد، لكن ابن تيمية تحدث عن معلومات أخرى يجب أن يفهمها الناس، وعاش ابن تيمية لتعيش لا إله إلا الله، فعاش في أذن الدهر، وفي لسان التاريخ، وعلى منبض الدنيا لتعيش لا إله إلا الله، كان دائماً يعيش لتعيش مبادؤه.
يقول: فلما خرج له الناس، قال ابن عبد الهادي: يقول التلاميذ: الناس يريدون قتلك، فنفخ في يديه، وقال: والله كأنهم الذباب أمامي؛ لأنه لا يقطف الرأس إلا من ركبه، فهذه الصناعة الإلهية، وهذا الجثمان إذا لم يكتب الله أن يقطف فلا يقطفه أحد من الناس: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَاباً مُؤَجَّلا} [آل عمران:145].
الكفار نصبوا كميناً حول بيت الرسول عليه الصلاة والسلام، خمسون شاباً تقطر سيوفهم دماً يريدون قتله، وأراد الله ألا يقتل، ليس عنده حراسة إلا حراسة الله، يقول أحمد شوقي:
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فإن الحوادث كلهن أمانُ
فلاحظته عناية الله، وأجرى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى نصره له، وقال لـ أبي بكر في الغار: {لا تحزن إن الله معنا}
فهذه قضايا التوحيد وهذا البناء العقدي المتين، الذي نريد أن نعيشه في الأزمة، وقبل الأزمة، وبعد الأزمة.
ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قُلْ هَلْ تَتَربَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ} [التوبة:52].