علي بن أبي طالب والعقيدة

يقول أبو الحسن: [[والله لو كشف الله لي الغطاء فرأيت الجنة والنار، ما زاد على ما عندي من إيمان مثقال ذرة]] وهو لم يتعلم درساً لا زرع ولا طه والطبلة، وإنما تعلم: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلاَّ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه:1 - 3].

علي بن أبي طالب أنزل الدرع الذي عليه في صفين ومعنى تصرفه هذا أنه إن كتب الله له أن يموت فلا يغني الدرع، وإن كتب الله له الحياة فلماذا يلبس الدرع؟ وأخذ الأسباب وارد، والرسول صلى الله عليه وسلم لبس الدرع وبارز فيه، ويقول: {اعقلها وتوكل} كما صح عنه عليه الصلاة والسلام، لكن هكذا علياً أراد أن يلقن الأمة درساً، فقال له ابنه محمد بن الحنفية: يا أبتاه! تبارز بلا درع؟،قال:

أيّ يومي من الموت أفر يوم لا قُدِّر أم يوم قُدِرْ

يوم لا قُدِّرَ لا أرهبه ومن المقدور لا يُغني الحذر

فهذه أبياتٌ في التوحيد: أي يومي من الموت أفر: متى أفر؟ يوم لا قدِّر أم يوم قُدِرْ: يوم لا قدر: يعني الموت؛ لا أرهبه، وإذا ما جاء لا يغني الحذر.

يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ} [الفرقان:58] فاسمع إلى الصفات، صفتان عظيمتان: الحي الذي لا يموت وغير الله يموت: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ} [الفرقان:58] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:36].

فلا بد أن نقف طويلاً مع هذه الآية، ولا بد أن نجعلها تعيش معنا في دمنا ذرةً ذرة، وأن ندخلها قلوبنا وأسماعنا وعيوننا وأبصارنا!

{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [الزمر:36] وكل ما غير الله فهو دونه، انظر إلى الكيانات؟ والسلاطين والدنيا؟ كلها دون الله، لكن من يعرف هذا؟ إن هذا يعرفه مثل علي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وشيخ الإسلام ابن تيمية؛ لأنهم يدرسون العقيدة واقعاً ويدرسونها منهجاً ربانياً.

علي بن أبي طالب كان جالساً تحت جدارٍ يقضي بين خصمين من أهل الكوفة، فمرَ رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين! احذر الجدار أن يسقط عليك، قال: حسبنا الله ونعم الوكيل، فلما انتهى من القضية بين الرجلين قام وخرج بهم، فلما مضى عن الجدار انهد الجدار مكانه.

فحسبنا الله ونعم الوكيل مبدأ كبير يجب أن نحمله فعلاً وقولاً وحياة: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:173 - 174].

فإذا فاجأك الخبر، فقل: حسبنا الله ونعم الوكيل، ومهما أبرم الناس، ووضعوا من العراقيل، ودرسوا المكائد والخيانات، فإن حسبنا الله ونعم الوكيل تقصمها بإذن الله؛ لأن الله معك، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ} [النمل:70] {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:128].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015