لما ضيع الناس التوحيد في عقائدهم، وفي عباداتهم ومعاملاتهم، خسروا سعادة الدنيا، وأتاهم من الهموم والغموم ما الله به عليم، لأنه كما يقول ابن تيمية رحمه الله: يقرن الله بين الاستغفار والتوحيد؛ لأن العبد دائماً يقصر، ولا يكمل تقصيره إلا التوحيد.
يقول سبحانه في الاستغفار والتوحيد: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19] وقال حكاية عن ذي النون بن متى عليه السلام لما وقع في البحر، وأصبح في ظلمات ثلاث: ظلمة الماء، وظلمة الليل، وظلمة الحوت، فمن يدعو ذو النون، هل يدعو زوجته؟ هل يدعو قبيلته؟ هل يدعو أسرته؟ هل يدعو ولده؟ لا.
فالزم يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
فقال كلمة وهو في بطن الحوت، بين ضلعي السمك، قال: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، يقول سبحانه بعدها مباشرة: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:88] وأخرجه الله، فالتوحيد والاستغفار هو العقيدة المثلى التي يعيشها المسلم في حياته في الجزئيات، لكن فسدت عقائد بعض الناس، فخسروا سعادة الدنيا والآخرة.
كان عليه الصلاة والسلام كما في صحيح البخاري إذا اهتم يقول: {لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض رب العرش الكريم} وكان يقول إذا قام من الليل كما في صحيح مسلم من حديث عائشة: {اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.
يقول بعض العلماء: قرن عليه الصلاة والسلام في هذا الدعاء دعاء الله بأشرف أسمائه، ثم بأشرف مخلوقاته، ثم طلبه سبحانه أن يهديه سواء السبيل.
هذا هو التوحيد.
وعند البخاري عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قام يصلي صلاة الليل التي ضيعها كثير من الناس، يوم ضيعوا مفهوم لا إله إلا الله، صلاة الليل التي استبدل بها كثير من الناس السهرة الماجنة، والمجلة الخليعة، والرقصات، واللهو، والغيبة، والنميمة، صلاة الليل التي هي إيمان وحياة.
فكان عليه الصلاة والسلام إذا قام من الليل يقول: {اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت رب السماوات والأرض، ومن فيهن، ولك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، وقولك حق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت}.