التوحيد أولاً، ليعيش المسلم وقته وعمره، في صلاته، في سوقه، في دكانه، في مكتبه، في فصله، بالتوحيد، هذا هو معنى التوحيد.
أما قراءة التوحيد مجرداً في كتاب التوحيد والطحاوية ومعارج القبول، ثم تجريده من الواقع، فهذا ليس بصحيح ولا نافع، فإن أكثر المعلومات يعلمها الكافر ولا يعمل بها، فلا تنفعه عند الله.
يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] خولة بنت ثعلبة أتت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تشتكي زوجها، قالت عائشة: والله ما كنت أسمع كلامها في طرف البيت، فسمع الله كلامها من فوق سبع سماوات، فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا} [المجادلة:1] عقيدة التوحيد تؤخذ من القرآن، وتؤخذ بياناً من سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، ليعيش العبد صادقاً مع الله، متوكلاً على الله، كما كان إبراهيم عليه السلام، وكما كان رسولنا صلى الله عليه وسلم.
يقول عليه الصلاة والسلام: {واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك} لماذا؟ لأن كل شيء بقضاء وقدر، والذي أجرى الأمور وسيرها وقدرها هو الله.
فيوم تعلم ذلك ترسخ العقيدة في قلبك، وتكون صامداً أمام الحوادث والأزمات، متوكلاً على الله، وهذه هي عقيدة الصحابة، والتي انتصروا بها- بإذن الله- توحيدهم توحيد الباري تبارك وتعالى لا يتعلقون إلا بالله.
حضر السلف الصالح لفتح كابول عاصمة أفغانستان، كابول التي ضيعناها يوم ضيعنا لا إله إلا الله، كابول التي ذهبت من أيدينا رخيصة، يوم رخصت في قلوبنا لا إله إلا الله، كابول التي تنادينا لندخلها بلا إله إلا الله، ونحن لن نرجع فلسطين، وكابول، ولن نستعيد مجدنا وكرامتنا إلا بلا إله إلا الله.
العرب قاتلوا إسرائيل أربعين سنة، فما انتصروا؛ لأن بعض جيوش العرب كانت تسير المسيرة الصباحية، والهتاف لهم في الصباح يقول:
آمنت بـ البعث رباً لا شريك له وبالعروبة ديناً ماله ثاني
هذا هتافهم على الموسيقى في الصباح.
فأراهم الله من هو الديان، وأخبرهم الله من هو الواحد الأحد الذي يضر وينفع: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].
حضر السلف الصالح في تطويق كابول جيش عرمرم، فطوقوا كابول، فقال قائدهم قتيبة بن مسلم -رحم الله قتيبة، ورضي الله عن قتيبة، يقولون: كان قبل المعركة يمرغ وجهه بالتراب ويبكي ويقول: اللهم انصرنا نصراً من عندك، رضي الله عنك ورفع منزلتك-.
رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمر
رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلوا وكبروا
يقولون: لما حضر قال: التمسوا لي محمد بن واسع العابد الشيخ الكبير، لكن موحد، قال: اذهبوا، فابحثوا لي عنه، فوجدوه صلى ركعتين، ورفع إصبعه إلى السماء يطلب النصر من الله- إصبع التوحيد- لا إله إلا الله، فرجعوا إلى قتيبة، قالوا: وجدناه يدعو للجيش بالنصر، وقد رفع إصبعه، فبكى قتيبة بن مسلم، وقال: والله الذي لا إله إلا هو، إن أصبع محمد بن واسع خير عندي من مائة ألف سيف شهير، ومن مائة ألف شاب طرير، وفتحوا كابول بإذن الله، وأذنوا في مآذنها، ورفعوا لا إله إلا الله.
من ذا الذي رفع السيوف ليرفع اسمك فوق هامات النجوم منارا
كنا جبالاً في الجبال وربما سرنا على موج البحار بحارا