أما رجولة الطفل فإنها تبدأ من صغره، والإنسان لا يقول: أنا صغير أو يربي أطفاله على التواكل، وكلما أسند إليه أمر قال: صغير صغير؛ فينشأ وعمره أربعين وهو لا يزال صغيراً هذا لا يصح، بل يشعره بالمسئولية من العاشرة، محمد بن القاسم قاد الجيش الإسلامي يوم دخل الهند وعمره خمس عشرة سنة!
إن المروءة والسماحة والندى لـ محمد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب ذلك سؤدداً من مولد
وقالوا عن أسامة بن زيد: قاد الجيش لسبع عشرة سنة، وأرسل صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن وعمره ما يقارب السابعة عشرة سنة، قال الصحابة لـ عمر وكان يدخل عليه ابن عباس، عُمُر ابن عباس ثلاث عشرة سنة قالوا: كيف تدخل هذا الطفل وعندنا أطفال مثله؟ لأن عند عمر مجلس عالمي سنوي لا يدخله إلا من الأربعين فما فوق، أهل بدر، أهل بيعة الرضوان، شيوخ الصحابة، نجوم الهدى، أسياد الأمة، ولا يدخله غيرهم لا من الأعراب ولا من الأطفال إلا ابن عباس مستثنى في القائمة وله حق الدخول، فكان يدخل فوجد الصحابة، قال ابن عباس: [[فجمع عمر الناس وقال للصحابة: ما معنى قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر:1]؟ وهو يلتفت إلى ابن عباس يريد أن يريهم ذكاء ابن عباس، قال الصحابة: لا ندري، الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: إذا جاء النصر والفتح فاستغفر وتب، فسألهم جميعاً فقالوا: لا نعرف إلا هذا.
قال: وأنت يـ ابن عباس؟ قال: معنى الآية: قد اقتربت وفاتك يا رسول الله، فما دام أن العرب قد أسلمت ودخلت في دين الله فترقب الوفاة أو كما قال.
قال عمر: والله ما أعلم منها إلا كما تعلم]] ولذلك أدخلوه معهم في مجلس الشورى.
أتى وفد العراق يبايع عمر بن عبد العزيز بالخلافة وكان فيهم شاب صغير جالس، فقام الشاب يتحدث فقال: يا أمير المؤمنين! مرت بنا ثلاث سنوات (يقصد: قحط) والأمير الخليفة الملك بيده المال؟ يريد مالاً، والمشايخ جلوس، وعيون القبائل ووجوه العرب جلوس وقام هذا الشاب يتكلم: يا أمير المؤمنين! مرت بنا ثلاث سنوات، أما سنة فأذابت الشحم، وأما سنة فأكلت اللحم، وأما سنة فدقت العظم، وعندك مال الله فأخرج ما لله من خزائن الله على عباد الله.
كلام مثل النجوم!! قال عمر بن عبد العزيز: يا بني اجلس ففي الناس من هو أولى منك بالحديث.
فقال الشاب: يا أمير المؤمنين! لو كان الأمر بالسن لكان في الناس من هو أولى بالخلافة منك أنت:
تعلم فليس المرء يولد عالماً وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنده صغير إذا التفت عليه المحافل
وهذان بيتان أنشدهما عمر بن عبد العزيز رحمه الله وهو قدوة، فإنه تولى أمر المسلمين وعمره ثمانية وثلاثين سنة فقادهم إلى بر الأمان وكان من خيرة عباد الله، رضي الله عنه وأرضاه.
الخنساء النخعية -لا أعني السلمية- كان لها أربعة أبناء، فلما ربتهم على تقوى الله وطاعته ذهبت بهم إلى القادسية في المعركة، ثم لبستهم الأكفان وكانوا شباباً، ثم قالت: يا أبنائي والله ما خنت أباكم ولا خدعت خالكم، والله إنكم أبناء رجل واحد، والله، ما ربيتكم إلا لهذا اليوم فإذا حضرت المعركة فيمموا وطيسها، واشغلوا أبطالها، ولا أراكم بعد اليوم إلا في الجنة؛ فأخذوا أكفانهم الأربعة فأتوا المعركة فأوقدوها وأشعلوها من أول النهار، وما أتت صلاة الظهر إلا وهم مذبحون في الأرض، فأتى الخبر إليها فضحكت وقالت: الحمد لله الذي أقر عيني بشهادتهم.
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
هذه أسرة عربية مسلمة تربت على تقوى الله، يقال: قتل منها ما يقارب ثمانين شهيداً في سبيل الله، وهي إما من بني خندف أو من قبيلة أخرى الله أعلم بها، لكن مدحهم الشاعر العربي قال:
هم القوم يروون المكارم عن أب وجد كريم سيد وابن سيد
وهزتهم يوم الوغى أريحية كأن شربوا من طعم صهباء صرخد
ويطربهم صوت الصوارم في الوغى بيوم الوغى لا ما ترى أم معبد
يقول: لا تطربهم إلا صوت السيوف لا الغناء ولا الأوتار ولا الأصوات الخليعة الماجنة.