ولما بلغ الأربعين من عمره رأى الجهل، والخرافة، والتخلف، والزنا، والفجور، وشهادة الزور، والقتل، والحقد، والحسد، فخرج بطهره وعفافه إلى غار حراء، وكان يأخذ طعامه وشرابه، ويجلس في الغار، ويتفكر في السماء من بناها! وفي الأرض من سواها! وفي الحدائق من أنبتها! وفي الماء من أجراه! وفي النسيم من أرسله! سبحان الله! لا بد لهذا الكون من خالق، واستمر على العبادة والتفكر، وهو ينكر هذا المجتمع الضال، وبعد أعوام وأيام نزل عليه قول الله مع معلمه ومدرِّسه وشيخه جبريل، لم يدرس في مدرسة، ولم يتعلم في كلية، ولم يحمل شهادة.
يقول جولد زيهر، المستشرق المجري: لست أعجب من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فالأنبياء غيره كثير، لكن أعجبني كيف ينشأ أربعين سنة في مجتمع بدوي، وفي قرية ما تعلم، ثم يخرج بعد أربعين سنة فيكون أفصح الناس، وأخطبهم وأذكاهم، وأكبرهم وعظاً في الناس، وأعظمهم موجةً فيهم، وأجل إداري في العالمين.