سافر عليه الصلاة والسلام إلى تبوك في حر شديد، الصحراء تقذف بقذائف اللهب، الشمس تغلي الرءوس، البطون جائعة، الأكباد حارة من الظمأ، ومعه جيش، وقطع المئات من الأميال، وأبو ذر معه، ولكن جمل أبي ذر تخلف بسبب ضربه فحاول مع الجمل فلم يحلُ له سير، فأخذ متاعه من على الجمل ووضعه على ظهره وأخذ يمشي في الصحراء وتخلف ليلة، قال صلى الله عليه وسلم -وقد قرب من تبوك - أين أبو ذر؟ قالوا: تخلف يا رسول الله! قال: إن يرد الله به خيراً يلحقه بنا، وفي اليوم التالي وفي الظهيرة وإذا برجل أقبل كالغراب من آخر الصحراء، تتابع خطاه في الصحراء والرمضاء الشديدة، فاقترب رويداً، والرسول عليه الصلاة والسلام يتهلل وجهه ويقول: {كن أبا ذر، كن أبا ذر، كن أبا ذر} فإذا هو أبو ذر، وتقبل دموعه عليه الصلاة والسلام لما يرى من هذا الجسم النحيل والثياب الممزقة والجوع والمتاع على الظهر لمرضاة الواحد الأحد، فيقول له أمام الناس: {رحمك الله يا أبا ذر! تعيش وحدك، وتموت وحدك وتحشر وحدك}.
تعيش وحدك فلا تتصل بالناس ولا بالدنيا فأنت عالم آخر:
وحيداً من الخلان في كل بلدة إذا عظم المطلوب قل المساعد
أو كما قال الآخر:
أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر
وأشجع مني كل يومٍ سلامتي وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر
وتموت وحدك فيحضره الملائكة بعيداً عن الأحباب والأصحاب، ويحشر يوم القيامة أمة لوحده، وفي بعض الآثار يحشر هو وعيسى عليه السلام سوياً.