خرج ابن مسعود من المسجد، فخرج تلاميذه وراءه - روى ذلك الإمام أحمد في كتاب الزهد - فقال: [[عودوا إلى أماكنكم، والله لو علمتم ما علي من الذنوب لحثوتم التراب على رأسي]] هذا ابن مسعود صاحب قيام الليل، الصحابي الشهير، الذي قال بعض التلاميذ فيه: [[نمت عند ابن مسعود فتركني حتى نمت، وظن أني نائم، ثم قام يتلو القرآن كأنه نحلة حتى الفجر]] الذي جمع القرآن، يقول: [[عودوا والله لو علمتم ما علي من الذنوب لحثوتم على رأسي بالتراب]].
يقول علامة الأندلس، يناجي الله في الليل ببيتين وهو يبيكي:
يا من سترتَ مثالبي ومعايبي وحلمت عن سقطي وعن طغيان
والله لو علموا قبيحَ سريرتي لأبى السلامَ عليَّ مَن يلقاني
نحن في ستر الله، لماذا يتكبر العبد؟ ولماذا لا يعود إلى تاريخه المظلم؟! ولماذا لا يتذكر سيئاته وأفعاله مع الله الواحد الأحد في مكان لا يراه إلا الله؟! تصور أن الله كشف معاصيك، وفواحشك، وأخطاءك على الناس، والله لا يتحملون لك، ولا يسلمون عليك، ولا يزورونك، ولا يرحبون بك، ولا يستقبلونك، فكيف برب العباد الذي يرى الخطأ منك صباح مساء، ويغفر، ويعفو، ويستر سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، قال أبو العتاهية:
إلهي لا تعذِّبني فإنِّي مُقِرٌّ بالذي قد كان مِنِّي
يَظُنُّ الناسُ بِي خيراً وإنِّي لَشَرُّ الناس إن لم تَعْفُ عَنِّي
فكمْ مِن زلَّة لي في البرايا وأنت عليَّ ذو فضل وَمَنِّ
إلى آخر ما قال.
إذاً: التواضعُ سِيَمُ أهلِ العلم.