وفد الجن إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في ليلة المعاناة، بعد أن أغلقت مكة أبوابها في وجه ابن مكة البار والراشد، والطائف أغلقت أبوابها، فنزل في وادي نخلة يبتهل إلى الله وتصعد أنفاسه:
محمدٌ في فؤاد الغار يرتجف في كفه الدهر والتأريخ والصحفُ
مزمَّل في رداء الوحي قد صعدت أنفاسه في ربوع الكون تأتلفُ
من الصفا من سماء البيت جلله نور من الله لا صُوف ولا خزفُ
والكفر يا ويحه غضبان من أسف لم يبقه القهر في الدنيا ولا الأسف
ولا رعته سيوف كلها كذب في صولة الحق والإيمان تنتسفُ
فماذا قال؟! نادى ربه وشكى إليه وبكى، فاستمع له الجن، ولكن هل كانوا سلبيين؟ هل سمعوا المحاضرة والدرس ثم خرجوا وهم في عزلة وانطواء، وفي نظرة سوداوية وتشاؤم؟! هل تركوا الميدان لأعداء الله من العلمانيين والمنافقين والكفرة والملحدين؟! لا.
بل قالوا: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ} [الأحقاف:31].
وهي مسئولية الإنسان أن يحترم نفسه وأن يحترم مبادئه مستقبلاً، وأن يؤثر؛ وكم نحضر من المحاضرات! كم هي الألوف التي تحف بالمحاضر! وكم هي الألوف التي تحضر الجمعات! وكم هم طلائع الصحوة الذين يزينون شرفات المجامع العامة! أين تأثيرهم؟! أين أمرهم ونهيهم؟! أين توزيعهم للشريط الإسلامي وللكتيب الإسلامي؟! أين دروسهم؟! أين مشاركاتهم؟! أين نصائحهم؟! أين وعظهم؟! لو اشتغل منهم العشر لصلحت الدنيا، لو تأثر منهم العشر وقاموا وأخذوا بحديث: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} لأصلح الله بهم الجيل والأمة.