اختلف أهل العلم في تعريف التقوى على أقوال كثيرة:
فمنهم من نظر إلى أصلها في الكتاب والسنة، ومنهم من نظر إلى مردودها، ومنهم من عرفها بمنطق أهل السلوك وأعمال القلوب، ومن التعريفات ما قاله ابن تيمية إذ يقول: هي فعل المأمور واجتناب المحذور.
وهذا كلام جيد جميل، وهو كلام علمي شرعي سني، هي فعل المأمور واجتناب المحذور، ولو قال شيخ الإسلام: وتصديق الخبر لتم التعريف.
ولكن هذا يدخل -إن شاء الله- في تعريفه.
وقال أهل السنة وهو تعريف مشهور لهم: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، وهي أن تعمل بما أمر الله وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام وأن تنتهي عما نهى الله ونهى رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن مسعود وقد رفع هذا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يصح مرفوعاً بل هو من كلام ابن مسعود قال: [[تقوى الله: أن يذكر فلا ينسى، وأن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر]].
سبحان الله! وأي درر هذه؟! أي جواهر؟! من علم هؤلاء الأعراب الذين كانوا قبل الوحي يرعون الغنم في غدير الخضمات وفي حرقات جهينة؟
وقال علي فيما نسب إليه: [[التقوى العمل بالتنزيل -وهو الوحي من الكتاب والسنة- والرضا بالقليل، والخوف من الجليل، والاستعداد ليوم الرحيل]] وهذا الكلام يحتاج إلى محاضرة مستقلة، هذه التقوى فهي ببساطة وهي أن تعمل بالكتاب والسنة أمراً وتنتهي عنها نهياً وأن تصدق خبرها، فإذا فعلت ذلك فقد نجوت من عذاب الله في الدنيا وفي الآخرة، ونجوت من الخزي والشقاء.
أما كلام السلف في التقوى فقد امتثل معاذ رضي الله عنه ذلك، وقد شرحه هو كما قال ابن رجب فقال: [[التقوى: هي أن تتجنب الشرك، وأن تطيع الله، وأن تخلص العبادة]].
وقال الحسن البصري في التقوى: [[هي أن تؤدي ما لله عليك وما للناس عليك من حقوق، وأن تجتنب ما نهى الله عنه]] أو كما قال.
وذكرها عمر بن عبد العزيز قال: [[أما إنها ليست بقيام آخر الليل ولا بصيام الهواجر والتخليط بين ذلك -أي بالسيئات- ولكنها الانكفاف عن المعاصي]].
وقال طلق بن حبيب -وهذا اعترف بتعريفه شيخ الإسلام - قال: [[هي العمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله]].
وقد ذكر أبو الدرداء لها تعريفاً آخر وهي: [[أن تكون مراعياً ما لله عليك من حقوق]].
وكل هذه التعريفات تتداخل.
وسئل أبو هريرة عن التقوى فقال للسائل: [[أمررت بواد فيه شوك؟ قال: نعم.
قال: ماذا فعلت؟ قال: تحفزت وانتبهت.
قال: فهذه التقوى]].
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرةً إن الجبال من الحصى