وَايْمُ الله لقد أعجبتني واستأسَرَتْني كلمة للأديب البارع الأستاذ علي الطنطاوي في كتابه قصص من التاريخ، وهو يتحدث عن المساجد في لمحة، تحت عنوان: (نحن المسلمون).
يقول في كلمته: سلوا كل سماء في السماء عنا، وسلوا كل أرض في الأرض عنا، سلوا الجزيرة وفيافيها، سلوا دجلة ورياضها وحقولها، سلوا الفرات وواديه، سلوا الشام وأنهارها، سلوا كل إنسان عنا.
ثم قال: مبادئنا تُعلَن كل يوم جمعة من على المنبر، نحن ليس عندنا أسرار ولا ألغاز، لسنا في حقائب فيها ألغام، أسرارنا وألغازنا ننثرها يوم الجمعة على الناس، ونعلن مبادئنا من على المنارة (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر) وهذه كلمة لا بد أن تُنْشَر للناس.
فمبادئنا وإعلاننا ورسمياتنا وسرائرنا تُعْلَن كل جمعة من على المنبر.
وفَعَلَ صلى الله عليه وسلم، فقد أُخِذ المسجدُ للخطابة؛ فكان يخطب يوم الجمعة، وكان من أبرع من خلق الله في الخطابة.
يقول شوقي:
وإذا خطبت فللمنابر هزة تعرو الندي وللقلوب بكاءُ
إي والله، لا تسمع للمسجد إلا حنيناً ودَوِيَّاً من البكاء؛ لأنه صادق، وتعاليمه صادقة كالفجر، أرأيتَ الفجر؟
أليس الفجرُ واضحاً؟
فتعاليمه صلى الله عليه وسلم كالفجر، فهو يعلنها يوم الجمعة من على المنبر عليه الصلاة والسلام.
يقول جُوْلْد زيهر، هذا المجري الخبيث: أنا لا أعجب من محمد أن يبعثه الله بعد الأربعين نبياً، فقد بعث الله قبله أنبياء وأنبياء؛ لكن أعجب أنه ما تعلم ولا درس ولا كتب ولا قرأ، ثم يقول الله له: سر في الناس واخطب في الناس، فإذا هو أفصح فصيح وأخطب خطيب!
شهد الأنام بصدقه حتى العدا والحق ما شهدت به الأعداءُ
إيْ والله، الضاد على لسانه أجرى من الماء الزلال، يسبي القلوب بعباراته: {إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم:4 - 6].