آخر من يدخل الجنة

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثاني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

المقصود من هذا الكتاب: تربيةُ الجيل على كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ورَدُّ الناس إلى المصدَرَين العظيمين، مصدَرَي التلقي، وهو العلم الصحيح الموروث عن معلم الخير صلى الله عليه وسلم.

فإن العلم صراحة: هو علم الكتاب والسنة، وما سوى هذين العِلْمَين: إما أن يكون شرحاً لهما، أو أن يكون تذييلاً عليهما، وإن كان معارضاً لهما، فهو علم باطل فاسد لا ينفع في الدنيا ولا في الآخرة.

قال عليه الصلاة والسلام: {آخر من يدخل الجنة: رجل يمشي على الصراط، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتصفعه النار مرة، فإذا جاوزها التَفَتَ إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منكِ، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فتُرفَع له شجرة، فيقول: أيْ ربِّ! أُدْنُنِي من هذه الشجرة؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله: يا بن آدم، لعلِّي إن أعطَيْتُكَها سألتَني غيرَها، فيقول: لا، يا رب! ويعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة أخرى، هي أحسن من الأولى، فيقول: أيْ ربِّ! أُدْنُنِي من هذه؛ لأشرب من مائها، وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم! ألم تعاهدني ألا تسألَني غيرَها؟! ويقول: لعلِّي إن أدنيتُك منها تسألني غيرها، فيعاهده ألا يسأله غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، هي أحسن من الأَوْلَيَيْن، فيقول: أيْ ربِّ! أُدْنُنِي من هذه؛ لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا بن آدم! ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟! قال: بلى، يا ربِّ! أُدْنُنِي من هذه، لا أسألك غيرها، وربه يعذره؛ لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة، فيقول: أيْ ربِّ، أدخلنيها، فيقول: يا بن آدم! ما يُعْرِيْنِي منك؟} ومعنى يعريني منك: أي: أَيُّ شيءٍ يرضيك؟ ويقطع السؤال بيني وبينك، {أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ فيقول: أيْ ربِّ! أتستهزئ مني، وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر} رواه الإمام أحمد ومسلم عن ابن مسعود، وهو حديث صحيح.

وفيه مسائل:

أولها: أن دخول الجنة على درجات.

ثانيها: أن الناس يتفاضلون في دخول الجنة بحسب أعمالهم.

ثالثها: أن لدخول الجنة أولاً، وآخِراً.

فلا يدخلون مرة واحدة؛ وإنَّما أولٌ وآخِرٌ، وأولُ مَن يدخل الجنة محمد رسول الله عليه الصلاة والسلام وآخر من يدخل الجنة: هذا الرجل.

رابعها: أن عصاة الموحدين يُعَذَّبُون، خلافاً للمرجئة الذين لا يفاضلون بالإيمان.

خامسها: أن الخوارج قالوا بتخليد أهل الكبائر في النار، وقد كذبوا على الله، بل لا يُخَلَّد الموحِّد في النار، وقد يخرج بعد أن يبقى مدة في النار.

سادسها: أن الله عز وجل يخاطب الناس يوم القيامة كفاحاً، بلا ترجمان، ويتكلم معهم.

سابعها: عِظَمُ ما أعطى الله عز وجل لأقل المؤمنين في الجنة؛ فإنه ثبت من حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن {أدناهم منزلة من يملك مثل ملك الدنيا خمس مرات} وقيل: {عشر مرات}.

أَقَلُّهُم مُلْكاً من الدنيا مَلَكْ وعشرةٌ أمثالها من دون شكْ

لكنَّما موطن سوطٍ فيها خير من الدنيا وما عليها

قلت لكم آنفاً: إن الدستور الذي بين يدَيَّ يحمل أحاديث العقائد، والآداب، والأخلاق، والسلوك، بينما أنت تسمع حديثاً في الفرائض، إذا به ينتقل بك إلى اليوم الآخر، ثم يعرج على الجهاد، ثم يصلك بالتربية، ثم يعود بك إلى الأحكام، فأنت بين روضة وأخرى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015