والعلم هو الذي يطلب لوجه الله تبارك وتعالى السلف الصالح يوم أن طلبوا العلم طلبوه لوجه الله؛ فآتى هذا العلم ثماره ونوره وأزهاره للبشرية.
فهذا الإمام أحمد يطوف بالدنيا، فيذهب إلى خراسان، وإلى بغداد، وإلى مصر، وإلى الشام، وإلى اليمن، وإلى الجزيرة؛ حتى يجمع أربعين ألف حديث يقول: والله لقد كانت تمر علي الليالي لا أجد كسرة الخبز من العيش! اشتغل -رحمه الله- حصَّاداً ولقَّاطاً يطلب العلم لوجه الله عز وجل.
وسمع عن عبد الرزاق بن همام الصنعاني وهو في صنعاء اليمن، فسافر له من بغداد، وأخذ عمرة، وفوجئ وهو يطوف بالبيت بـ عبد الرزاق يطوف، فقال له أحد زملائه: هذا عبد الرزاق أتى الله به من اليمن، فخذ الحديث منه.
قال: لا والله لا تكون هجرتي إلا لله عز وجل، وقد قصدت صنعاء، فلن آخذ منه شيئاً حتى يعود إلى اليمن فآخذ منه علماً إن شاء الله.
وعاد ذاك، وسافر الإمام أحمد فطلب العلم الذي أوصله إلى رضوان الله، فأصبح إمام أهل السنة والجماعة يقول ابنه عبد الله فيما صح عنه عند الذهبي: كان أبي يصلي من غير الفرائض ثلاثمائة ركعة.
وكان الإمام أحمد إذا دخل السوق ورآه الناس هللوا وكبروا وسبحوا لما يرون من الجلالة والمهابة والإيمان والتقوى.
ويتحدث الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن موسى وعن طلبه للعلم عندما سافر إلى الخضر وقد بوب البخاري لذلك وقال: باب ركوب البحر في طلب العلم.
ولذلك كان علم السلف الصالح علم خشية، وعلم تقوى وعمل.
يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {مثل مابعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً} انظر الإشراق في العبارة! لم يمثل بالمطر، وإنما مثل بالغيث لأسباب:
منها: أن المطر أكثر ما يستخدم في القرآن للعذاب، قال الله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ} [الشعراء:173].
ومنها: أن الغيث فيه غوث للقلوب، وفيه صفاء: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضاً، فكان منها أرض طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكان منها أرض أمسكت الماء فنفع الله به الناس، فسقوا وزرعوا، وكان منها أرض إنما هي أجادب لا تنبت كلأً ولا تمسك ماءً، فذلك مثل من نفعه الله بما بعثني به فعلم وعلم} وهذه الأمة على هذه المستويات:
رجل نفعه الله بالرسالة الخالدة، فتعلم القرآن والسنة، ونشر الخير والدعوة والفضل وأصبح مؤمناً، فهذا هو الفاضل ورجل أخذ العلم لنفسه وانقبع في بيته وأغلق عليه بابه فنفع نفسه فحسب ورجل عاش التمرد، وعاش شهوة الفرج والبطن، وعاش في الحياة بلا رسالة، والذي يعيش في الحياة بلا رسالة أشبه بالبهيمة، لا علم ولا أصالة ولا عمق، إنما هو يركب كل شيء ولذلك إن المسئول عما وقع في واقعنا من الكلمة الملحدة الآثمة، والقصيدة التي تحمل الزندقة والكفر، والأغنية الماجنة التي تهدم الجيل والشباب والقلوب، والمجلة الخليعة التي تحبب الكأس والمرأة لأجيال الأمة وشباب الأمة؛ المسئول هو الذي لم يرفع رأساً بهذه الرسالة الخالدة، وهو الذي لم يرضع لبن دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام.