إننا بحاجة إلى أن نتكلم للناس في الإيمان قبل العلم، لأن الله تعالى يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ} [الروم:56] فلا علم بلا إيمان أتى أتاتورك إلى الأتراك، ففصل الإيمان تماماً، وسحق الإسلام مطلقاً، ودمر المساجد، وأتى بـ العلمانية الكافرة، فعبد العلم من دون الله تبارك وتعالى.
ولذلك يقول الله عز وجل في الكفر وأهله: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:7] ويقول الله عز وجل عنهم: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:66].
يقول كريسي موريسون في كتاب الإنسان لا يقوم وحده: يا أهل المشرق! قدمنا لكم خدمة الإنسان للإنسان -يقصد الطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة- فقدموا لنا خدمة الروح للروح.
يقصد لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وعندما يأتي الإنسان ليعيش العلم بلا إيمان فإنه سوف يضل الأمة، وسوف يذهب بالبلاد إلى الهاوية، وسوف يخرب كل الدنيا، والصحفي إذا لم يؤمن بالله فسوف يكتب بقلمه كلمات غير مسئولة، وكلمات الإلحاد والزندقة والفاحشة يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19].
والشاعر إذا لم يؤمن بالله يكن سائباً على الأحداث، هامشياً لا يحمل رسالة، ولذلك إنما تميز محمد إقبال عن شعراء كثير من الناس ولو في بلاد الإسلام؛ لأنه شاعر الإيمان والحب والطموح آمن بالله فكانت كلماته وقصائده تنبعث إلى القلب كأنها شعل، أو كأنها قطرات من دمه على الأمة الإسلامية جاء إلى مكة ورأى الجيل، وقبل أن يأتي من باكستان ظن أنه سوف يجد شباباً يحملون رسالة، وجيلاً يحملون مبدأً خالداً، وسوف يرى أحفاد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي؛ ففوجئ بشباب لا رسالة لهم في الحياة -وأنا لا أعني هذا الجيل؛ فإن هذا الجيل جيل رسالة، طلعاتهم تبشر بالخير، وهم الذين يحيون بالإسلام، والسنوات سوف تظهر ذلك بإذن الله- فبكى طويلاً وسجل قصيدته التي يقول فيها:
أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال
وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال
وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العباد خالي
وجلجلة الأذان بكل حيٍ ولكن أين صوت من بلال
أين الإسلام؟ أين لا إله إلا الله؟ أين الأمة التي امتطت موج البحر ومتن المحيطات لتبلغ لا إله إلا الله؟
يقف عقبة بن نافع بفرسه على شاطئ المحيط الأطلنطي ويقول: والله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أن وراءك أرضاً لخضت بفرسي هذا البحر لأنشر (لا إله إلا الله) في تلك الأرض ويقدم سعد بن أبي وقاص دمه يوم القادسية ويقول: اللهم خذ من دمائنا هذا اليوم حتى ترضى يقول أحد الشهداء في العراق من المسلمين:
فيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجع يعلى بخضر المطارف
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابة يموتون في فج من الأرض خائف
هذا هو الإيمان، وحين يوجد في القلب يصبح قلباً حياً، يقول أبو الحسن الندوي: قلب بلا إيمان كتلة لحم ميتة ولكنها ترمى في الزبالة، وعين بلا إيمان مقلة عمياء، ويد بلا إيمان إشارة خاطئة آثمة، وجيل بلا إيمان قطيع من الغنم أو هوشة من البقر، وقصيدة بلا إيمان كلام ملفف، وكتاب بلا إيمان كلام مصفف فنحن أمة الإيمان وأمة الرسالة.
فأقول: لماذا يكتب الصحفي ويعادي الإسلام؟! ولد في بلاد الإسلام، وسقط رأسه في مهبط الوحي، وشرب من ماء زمزم، وطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة، لكنه إذا كتب في الصحافة ترك الإسلام في بيته ونسي أنه مسلم لماذا؟ لأنه ما دخل الإيمان وما تعمق في قلبه يقول بشارة الخولي يوم أن ترك الإيمان في بيته وأتى يكتب شعراً:
هبوا لي ديناً يجعل العرب أمةً وسيروا بجثماني على دين برهم
يقول: اعطوني أي دين، زندقة أو إلحاد أو ماركس أو لينين أو هتلر أو نابليون
وسيروا بجثماني على دين برهم
>>
قاتله الله عدو الله! يريد دين برهم المجرم الهندوكي السفاك، ولا يريد محمد عليه الصلاة والسلام الذي ما طرق العالم أفضل ولا أنبل ولا أجل منه.
يقول ابن تيمية: من اعتقد أنه سوف يهتدي بهدىً غير هدى الله الذي أرسل به محمداً عليه الصلاة والسلام فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
إي والله! من ظن أنه سيسلك سبيلاً أو يرتقي في مستقبل أو يصل إلى نتيجة بدون هذا الدين فعليه لعنة الله تحيط به في قبره وصدره ليشهره الله على رءوس الخلائق.
ويأتي شاعر آخر اسمه ابن هانئ الأندلسي يتملق عند السلطان ويمدحه وضع الإيمان في بيته وأتى يقول للسلطان:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
سبحان الله! يقول: يا أيها السلطان! يا أيها الملك!
ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
ولكن علمه الله أنه هو الواحد القهار، فابتلاه بمرض عضال في جسمه، فأصبح يتقلب على الفراش بمرض مستعص عضال، وينبح كما ينبح الكلب؛ لأن الذي لا يعرف الله في الرخاء لا يعرفه الله بنفسه في الشدة.
وقف فرعون يخطب في مصر -العميل الضال الدجال- يقول وهو على المنبر: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:51] فأجراها الله من فوق رأسه، وعندما أصبح في الطين ينقنق كما تنقنق الضفدع: {قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ * آلْآنَ} [يونس:90 - 91] أتؤمن في الوقت الضائع؟! ولذلك تجد كثيراً من الدعاة في الساحة من القصصيين والمسرحيين والشعراء والكتاب يضيعون الإيمان ويتركونه؛ لأنهم جعلوا المعرفة شيئاً والإيمان شيئاً آخر.
وعندما مرض ابن هانئ أسف على ذلك البيت الآثم وقال:
أبعين مفتقر إليك نظرتني فأهنتني وقذفتني من حالق
لست الملوم أنا الملوم لأنني علقت آمالي بغير الخالق
سبحان الله! كيف يضل القلب وتعمى العين ويصم السمع إذا لم يؤمن الإنسان بالله رب العالمين.
فعلم بلا إيمان لا نطلبه ولا نريده، فإن الكفار قد بلغوا أكثر مما بلغنا.
منهم أخذنا العود والسيجارة وما عرفنا ننتج السيارة
استيقظوا بالجد يوم نمنا وبلغوا الفضاء يوم قمنا
فأما علم المادة فقد بلغوا أكثر مما بلغنا فيه، لكننا نأتي ونقول للإنسان: من هنا -أيها الإنسان- تهتدي، يقول دايل كارنيجي الأمريكي في كتاب دع القلق وابدأ الحياة: لا بد لك من جلسة ولو نصف ساعة مع الله تبارك وتعالى.
هو مسيحي لكنه ما يعرف أين الطريق وأين الأسباب والوسائل، يقول: نصف ساعة مع الله، أما نحن -يا دايل - فنجلس اليوم والليلة والشهر والسنة والصيف والشتاء مع الواحد القهار.
أيها الإخوة! هذا هو المبدأ الكبير، وقد وجد في المؤسسات العلمية، وفي المدارس والمعاهد من يأتي بلا رسالة.