أراد الله سبحانه وتعالى أن يستشهد على جلالته وعظمته ووحدانيته فقال: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران:18].
فانظر كيف استشهد العلماء وطلبة العلم على أعظم شهادة في الدنيا.
والله عز وجل يرفع بين طبقات الناس بنسب إضافية، فما هي الرفعة في الإسلام بعد التقوى؟ إنه العلم، قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة:11].
وهل يستوي عالم متعلم وجاهل بليد رعديد؟! لا والله لا في العقل ولا في الحس ولا في النقل، يقول سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الزمر:9] أرأيت الكلب؟ هو كلب ويكفي في تعريفه أنه كلب، والمعارف لا تعرف، ولكن جعل الله الكلب في القرآن على قسمين:
كلب معلم، تعلم وحمل شهادةً فصيده حلال، وكلب جاهل فصيده حرام يقول سبحانه: {مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ} [المائدة:4] أرأيت إلى الهدهد؟ إنه طائر ويفتخر بالعلم! وهل سمعتم بهدهد يفتخر بالعلم؟! إن سمعتم بذلك فهو في سورة النمل، أتى إلى سليمان عليه السلام فقال له: {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ} [النمل:22] ثم ألقى عليه محاضرة في التوحيد والعقيدة فقال: {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ * وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [النمل:23 - 24] ولم يطلب الله من نبيه أن يتزود من الحطام، ولا من المال، ولا من العمار، ولا من العقار، ولكن قال له: {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه:114].
هذا الرجل العظيم عليه الصلاة والسلام، الذي يسكن في بيت من الطين، ويجلس على التراب، ويأكل خبز الشعير، ولكنه نشر العلم في العالم، ونشر المعرفة في المعمورة، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43] وهذا الفضل إنما هو بالقرآن؛ بل أفضل من ذلك كله أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى جعل العلماء وطلبة العلم ورثة للأنبياء والرسل فيا ورثة الأنبياء والرسل! ويا أحفاد محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي! ويا من أراد أن يشع الخير في البشرية مرة ثانية! لنقول للناس من هنا خاصةً من مهبط الوحي، من حيث انتشر الإسلام، وانطلقت لا إله إلا الله: هذه رسالتكم، وهذا الحديث معكم عن العلم وفضله، فلا أفضل من العلم، ولا أجلَّ منه يقول الأندلسي المربي أبو إسحاق الالبيري، وهو يوصي ابنه بطلب العلم وفضل العلم:
هو العضب المهند ليس ينبو تصيب به مضارب من أردتا
وكنز لا تخاف عليه لصاً خفيف الحمل يوجد حيث كنتا
يزيد بكثرة الإنفاق منه وينقص إن به كفاً شددتا
فبادره وخذ بالجد فيه فإن أعطاكه الله انتفعتا