أيضاً: تغليب الخوف على الرجاء، والترهيب على الترغيب، وهو منهج بعض الدعاة وهم قلة أنهم يتكلمون في الخوف أكثر من الرجاء، وفي العذاب أكثر من الرحمة، وفي سوء الخاتمة أكثر من حسن الخاتمة، وفي النار أكثر من الجنة، ويسبون أكثر مما يثنون، فالداعية عليه ألا يقدح ولا يمدح، بل يمدح الله عز وجل، والله يحب المدح، وهو الذي يستحق المدح، الداعية يعرض منهجه السليم السديد على الناس، وفي الترغيب والترهيب تسمى هذه النظرة السوداوية، وكأن العالم أغلق من الخير، وأنه أصبح عالم فتن ومصائب، وعالم كوارث فقط، ودين الله وسط بين الغالي والجافي، وقد جعل الله لكل شيء قدراً، والله قرن بين الترغيب والترهيب، فقال: {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:3] وقال: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ} [الرعد:6].
أخفق الحارث المحاسبي لما ألف كتاب الرعاية، ترك الناس المساجد وهو وإن أراد خيراً، لكن دخل في الخطرات والوساوس والواردات مثلاً: تريد أن تدعو العاصي وتقول: انتبه من صلى وقد وسوس في صلاته أظنها لا تقبل، ومن أتى إلى المسجد يريد رياء وسمعة الناس أظن إقباله باطل، ومن دخل المسجد ونظر إليه الناس فأعجبوا بخشوعه أظنه يبطل خشوعه، فإنه بالتالي يترك المسجد ويترك الصلاة ويترك الخشوع، هذا منهج الحارث المحاسبي، وتبعه في ذلك الغزالي في إحياء علوم الدين، وأنا أنصح أن يحذر الناشئة من قراءة هذا الكتاب، لأنه سوف يسحقهم سحقاً.
أيضاً: بدون مجاملة، وقد أكون مخطئاً: ليت ابن القيم لم يؤلف مدارج السالكين، وليته حفظ جهده وذكاءه في كتب أخرى، وقال هذا مثل: محمد حامد فقي وغيره، والصحيح أن منهجه تتبع الخطرات والوساوس، وهي ليست من مناهج الصحابة، ولو أن ابن القيم سلفي صرف من أئمة أهل السنة والجماعة، لكن أمَّا في هذا الكتاب، فإنه يتعب في التربية، ويدخل بك في متاهات، ويريد أن ترتقي بروحك إلى مرتقى صعب، حتى لو أتيت بالصحابة ووزنتهم في مدارج السالكين، لرأيت بوناً شاسعاً عن ما يريده ابن القيم، هذه وجهة نظر.