التقارب مع أهل البدع

الخوارج متهالكون في التكفير حتى كفروا بعض الصحابة، وكفروا أهل الكبائر غير المستحلين لها، يقابلهم أيضاً مرجئة العصر، ومساراتهم وسيعة حتى إنهم يرون أنه لا خلاف مع أهل البدع، وأن المسألة اعتقاد فحسب، والمقصود أنه يوجد في الساحة من يميع القضايا، ويقول: المسألة مسألة عقيدة فقط، من قال: (لا إله إلا الله) فهو أخونا.

ما رأيك في الرافضي؟، قال: أخونا وحبيبنا وليس بيننا وبينه خلاف، والخوارج أحبابنا، والمرجئة إخواننا، والقدرية أخوالنا.

فإذا قيل له: من هو العدو؟ قال: شامير.

فهل هو العدو فقط؟ أما هؤلاء -المبتدعة- فيقول: لا تفرق كلمة المسلمين، وادع إلى الاتفاق، ومدوا الجسور مع هؤلاء!!

إذاً فما هي ميزة أهل السنة والجماعة؛ المذهب الذي قدم صفوة العلماء دماءهم رخيصة من أجله، وشنقوا وجلدوا وحبسوا؟ لماذا سجن أحمد بن حنبل؟ لماذا ضرب بالسياط؟ تدري كم جلد الإمام أحمد بن حنبل يقولون: ما يقارب ألف وستمائة سوط في ستة وثلاثين شهراً حتى يقول له أحد الخمارين: -انظر العصاة للمبادئ يخدمون مبادئهم وهم عصاة- وكان مسجوناً معه: يا أحمد بن حنبل! اصبر على ضرب السياط، فإنك تجلد من أجل أمة محمد عليه الصلاة والسلام، والله الذي لا إله إلا هو لقد جلدت في الخمر ألف وستمائة سوط وما تراجعت، هكذا فلتكن الشجاعة والثبات.

يذكرون في بعض المذكرات عن الأكراد أن رءوسهم يابسة من الشجاعة، فقيل: إن سلطاناً من السلاطين كان حارسه كردياً وبينما الوزراء عنده جلوس والسلاطين لا يريدون أن يكسر لهم جاه، فقال السلطان للناس: الحبحب يقطع بالسكين أو بالمقص، قال الوزراء كلهم: بالسكين، قال السلطان: نعم بالسكين، قال الكردي: لا بالمقص، قال السلطان: أنت وليد نعمتي وتخالف أمري: بالسكين، أو بالمقص؟ قال: بالمقص، قال: أوقفوه، فأوقفوه يومين، ثم استدعاه في اليوم الثالث: المقص أو بالسكين؟ قال: بالمقص، قال: غيبوه في البركة في الماء، أنزله الجنود، تدريجياً في الماء يغرقونه، ويقول: بالمقص بالمقص بالمقص بالمقص، قالوا: فلما اختفى رأسه أخرج إصبعه ويقول بها كذا، هذا من التضحيات إلى آخر قطرة من الدماء، فالمقصود: أن تنظر إلى الخمارين والسكارى كيف يبذلون دماءهم في سبيل منهجهم، فلما عرف الإمام أحمد قال: فما شد قلبي أحد كما شد قلبي ذاك الرجل جزاه الله خيراً.

الإمام أحمد يدعو له؛ لأنه لا زال مسلماً لا زال يقول: لا إله إلا الله، لا زال يصلي فدعا له، قال: جزاه الله خيراً، فاشتد قلب الإمام أحمد وانتصر بإذن الله، وحقق منهج أهل السنة والجماعة.

لماذا سجن ابن تيمية؟ أصل ابن تيمية هذا عجيب فهو دائماً في الحديد يخرج من قلعة دمشق إلى الإسكندرية؛ لأنه لا يريد الباطل، يريد أن يثبت منهج أهل السنة والجماعة، فقصدي: أن مرجئة العصر يتقون الله فينا كلما تكلمنا عن طوائف المبتدعة، قالوا: اتقوا الله لا تشتتوا شمل المسلمين، المسلمون منهم الرافضة ومنهم المرجئة ومنهم الخوارج وهؤلاء كلهم مسلمون، لا أهل السنة والجماعة فقط.

هذا هو المنهج الرباني الذي يجب أن نربي الناس عليه، وأن ننشره، وعليه دعوة الإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن تيمية والإمام محمد بن عبد الوهاب، وهؤلاء الثلاثة نجوم في عصورهم وحسبك بهم.

تقريع الناس وتوبيخهم في الوعظ والتعليم ليس من هديه عليه الصلاة والسلام، التقريع والتعنيف تزكية ضمنية للمتكلم وإدانة للمستمعين، وإلى متى يحتمل الإنسان من يؤدبه ويجرحه؟ هو يجرحه ويعرض عليه سلبياته.

من مناهج أهل السنة والجماعة أنهم لا يوبخون على رءوس الملأ، ولا يقرعون بوعظهم الناس، ولا يشهرون العصاة بالأسماء، أو بالعلامات التي تفهم، بل إنهم يعرضون الحق ويعرضون الباطل.

أيضاً: ليس من مناهجهم التكتم على الباطل أو المنكرات، أو الفجور الموجود بحجة أن يستروا على العصاة فلا يعرضون الباطل، لا، هذا خطأ، وقضية ألا تعرض إلا الجوانب الحسنة فقط، ولا تعرض السيئة في المجتمع غير صحيح، بل عرضها بشكل عام لا يفهم منه إرادة توبيخ أحد، أو تجريحه.

كان صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: {ما بال أقوام يصنعون كذا وكذا} وقال لقبيلة بني عبد الله: {يا بني عبد الله إن الله أحسن اسم أبيكم، فأحسنوا الاستجابة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وأمره ربه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015