قام عليه الصلاة والسلام فابتدأ صلاته، فلما أصبح في الصلاة قام ابن عباس فأخذ ماءً وتوضأ ثم اقترب من الرسول عليه الصلاة والسلام، فوقف عن يساره، يعني: تجاه جهته اليسرى صلى الله عليه وسلم.
والمأموم إذا كان منفرداً يبقى عن يمين الإمام.
فأرسل صلى الله عليه وسلم يده من وراء ظهره وألقاها على ابن عباس وفركه وهو في الصلاة ثم حوله إلى يمينه؛ قال ابن حجر: يؤخذ من هذا أن المعلم له أن يفرك أذن الطالب، وقد مرت هذه في مناسبات، وكانت أفهم له، بشرط أن يكون صغيراً في سنه، ولا يتأذى بذلك.
فحوله عن يده اليمنى، وعند ابن خزيمة: أنه كلما نعس ابن عباس أرسل صلى الله عليه وسلم يده وفرك أذن ابن عباس حتى يوقظه في الصلاة.
لماذا ينعس؟ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يستمر في القراءة حتى ينسى المكبر أنه كبر.
يقول ابن مسعود رضي الله عنه: {قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي، فصلى فأطال القيام حتى هممت بأمر سوء، قيل له: وبماذا هممت؟ قال: هممت أن أجلس وأدَعَهُ}.
وقال حذيفة كما في الصحيحين: {قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فابتدأ سورة البقرة، فقلت: يركع عند المائة، فواصل حتى خَتَمَها، ثم افتتح سورة النساء فقلت: يركع عند المائة، فاختَتَمَها، ثم افتتح سورة آل عمران، ثم اختتمها صلى الله عليه وسلم]].
فهو صلى الله عليه وسلم وابن عباس بجانبه جعل يده على أذن ابن عباس وفركه ليستيقظ، وفي رواية صحيحة أوردها ابن حجر: لئلا يستوحش في الظلماء.
يقول: لئلا يستوحش ابن عباس، فيظن أن من طول قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم أو إسراره من الرسول صلى الله عليه وسلم تركه واقفاً، أو استيحاش من باب أنه يطول عليه الوقوف.
والله أعلم.
ولا يقاس على قوَّته صلى الله عليه وسلم قوة أحد من الناس، والإنسان فقيه بنفسه لا يستمع مثل هذه الأحاديث فيأتي فيقف ليلة كاملة من صلاة العشاء إلى صلاة الفجر وبعدها يترك صلاة الفجر، فهذا لا أحسن في الأولى ولا في الثانية؛ أما في الأولى: فشدد على نفسه وخرج عن السنة، فإن سنة الله بين الغالي والجافي، والحسنة بين السيئتين، والقصد القصد تبلغوا.
وأما الأمر الثاني: فأنه قد يفوت من الفرائض ما هو أعظم منه، ولا يفوتكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام جُمِعَت في جسمه الطاهر قوة ثلاثين رجلاً، فهو أجمل وأقوى وأفصح وأحلم وأبر وأصبر الناس، حتى يقول علي؛ وأنتم تعرفون من هو علي بن أبي طالب، سيف الله المنتضى، من أشجع الناس يقول: [[كنا إذا اشتد الكرب، وحَمِي الوطيس، واقتربت الرماح، الحدق واحمرت اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة، فوجدناه أقرب القوم إلى العدو]] من قوة جسمه صلى الله عليه وسلم.
ولما التقوا في معركة هوازن في حنين، كان عليه الصلاة والسلام في المقدمة الأولى للجيش، وفرَّ جميع الجيش إلا ستة أنفار، فلم يثبت إلا هو وخمسة معه صلى الله عليه وسلم، وهذا من القوة التي أعطاه الله إياها.