وقام صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته، فخرج من بيته صلى الله عليه وسلم، فعَلِمَ ابن عباس وعمره ما يقارب عشر سنوات أن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عاد فسوف يبحث عن ماء أو يتوضأ.
قال ابن عباس: [[فقمت إلى شَنِّ قِرْبَة -معلقة في طرف البيت- فحللت وكاءها، وسكبت الماء للرسول صلى الله عليه وسلم وقدمت له]] فلما جاء صلى الله عليه وسلم رجع ابن عباس وتناوم مرةً ثانية.
فقال صلى الله عليه وسلم وهو يحدث نفسه: {من وضع لي الماء} ثم التفت إلى السماء صلى الله عليه وسلم، وقال: {اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل}؛ فعلمه الله التأويل أي: تفسير القرآن، حتى ما وجدت آية ولا سورة إلا ويعرف متى نزلت، وأين نزلت، وما معناها، حتى كبار الصحابة كانوا يسألونه رضي الله عنه وأرضاه، وفقهه الله في الدين.
فقام عليه الصلاة والسلام يصلي، وقبل أن يصلي أخذ يستاك عليه الصلاة والسلام، يستقبل القبلة، وقال دعاءً تنخلع منه القلوب، روته عائشة وابن عباس، قال: {اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد، أنت الحق، ووعدك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، ومحمد صلى الله عليه وسلم حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، وعليك توكلت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت} ثم قال -كما صح في صحيح مسلم - عن عائشة: {اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم}.
من لم يكن له رصيد من الدعاء بعد كل صلاة، وفي دبر الليل، وقبل الصلاة، وبين الأذانين، وفي آخر ساعة من الجمعة، وفي يوم عرفة، وفي مناسبات الخير؛ فإنه سوف يبقى قلبه قاسياً إن لم يتزود بزاد الدعاء؛ ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام كما عند الترمذي عن سلمان: {إن الله يستحي من العبد إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً} قال أحد الصالحين؛ وهو من علماء الجزائر، الثورة على الفرنسيين في الجزائر قال: في إحدى المرات في غارة على الفرنسيين -وهو من علماء ثورة الجزائر على فرنسا -: أمسيت ليلة من الليالي فرأيت عمر بن الخطاب في المنام ومعه الدرَّة، فقلت له: يا أمير المؤمنين! ابتلانا الله بهؤلاء احتلوا بلادنا، وقتلوا أطفالنا، وشيوخنا، ونساءنا، فما المخرج؟ قال: فضرب على كتفي بالعصا، قال: أتخاف والله معك؟! فقلت له: يا أمير المؤمنين! -وقد عرفت أنه عمر -: ما هي النجاة؟ قال: عليك بالدعاء، قال: فما نسيت يديه وهو يدعو لنا في المنام.
فمن أراد النجاة فعليه بالدعاء، ولذلك يقال في الأثر: [[لا يهلك مع الدعاء أحد]] {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].