قال المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الجهر بالتبليغ) لما أسر صلى الله عليه وسلم دعوته وكتمها في صفوف الناس لم تجدِ كثيراً هذه السرية ولو أنها من لوازم الدعوة، وكان صلى الله عليه وسلم يرى أول العهد أن يكتم دعوته، حتى لا تتصور قريش أنه يريد ملكاً أو مالاً أو يريد سبباً آخر.
فأنزل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى عليه: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر:94] ومعنى اصدع بما تؤمر: أي: تكلم بما يأمرك به سُبحَانَهُ وَتَعَالى أو بما ينزل ربك عليك.
واصدع كلمة جميلة، معناها: ارفع صوتك صادعاً بالحق، وبما تؤمر، وفيه أن كل ما أنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم فهو وحي: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:1 - 3] فلم يأتِ بشيء من عنده عليه الصلاة والسلام، ودائماً يقول: إنما أنا بشر يوحى إلي، ودائماً يتبرأ صلى الله عليه وسلم من الحول والقوة، ويقول: لا أعلم الغيب {وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} [الأعراف:188].