{ووأد البنات} وأد البنات: قتلهن وهن على قيد الحياة، أي: ما أتاهن الموت إلا بتسبب الوالد {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير:8 - 9] وفي قراءة أبي بكر {وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتِ} [التكوير:8 - 9] والجمهور يقرءون قتلتْ.
وأول من قتل البنت، وأول من وأد قيس بن عاصم المنقري سيد العرب وسيد الوبر، هو أول من بدأ بوأد البنات، رحمه الله ورضي الله عنه؛ لأنه أسلم، وكان سيد بني تميم، وكان بنو تميم ما يقارب مائة ألف لا يعودون إلا عن رأي قيس بن عاصم المنقري هذا.
كان له بيتٌ في الخلاء، وكان يغير على العرب دائماً، كان كثير الحروب؛ لأنه شجاع، فسبى العدو بنته، فتزوجها رجلٌ منهم، فلما ظفر بالأعداء، قال لابنته: أتريدين أن تعودين إلي أم تبقين؟ قالت: أريد البقاء مع زوجي، فنذر ألا تلد له بنتٌ إلا وأدها، فكان كلما أتى له بنت تركها حتى تترعرع، ثم يذهب بها، يقول: نسلم على أخوالها، فإذا مر ببئر له هناك في الصحراء، قال: أشرفي هل في البئر ماء، فإذا أشرفت ضربها من قفاها فوقعت في البئر، وهذا خطأ.
ولو أنه من أحلم العرب، لكن هذا فعل وثني إشراكي، نسأل الله أن يعفو عنه؛ لأنه أسلم وآمن وحسنت توبته، وهو الذي يقول عنه العربي الأول:
عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما
تحية من ألبسته منك نعمة إذا زار عن شحط بلادك سلما
وما كان قيس موته موت واحد ولكنه بنيان قوم تهدما
وأول من منع الوأد أو أمر بإعفائها واشترى البنات من العرب، كل بنت بمائة ناقة وأحياهن، هو صعصعة، وهو تميمي، جد الفرزدق الشاعر، الفرزدق اسمه همام بن غالب بن صعصعة، وفد على الوليد بن عبد الملك هذا الفرزدق فأراد أن يمدح الخليفة، فقال:
سروا يخبطون الليل وهي تلفهم على شعب الأكوار من كل جانب
إذا ما رأوا ناراً يقولون ليتها وقد خصرت أيديهم نار غالب
قال الوليد بن عبد الملك: اذهب إلى غالب يعطيك مالاً، والله لا أعطيك فلساً، أي: غضب لما مدح جده.
وصعصعة هذا أدرك الإسلام وأسلم والحمد لله، وله حديث في البخاري، عن أبي سعيد أنه قال: {يا صعصعة! أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في باديتك وفي غنمك فأذن وارفع صوتك؛ فإنه لا يسمع صوتك أحدٌ إلا شهد لك من جن أو إنس أو طير أو شيء}.
فهذا وأد البنات عند العرب، وأتى الإسلام -والحمد لله- بذم هذه الخصلة وتحريمها، فمنعها الإسلام، والرسول صلى الله عليه وسلم جعلها من الكبائر.