{وكره لكم قيل وقال} قيل وقال فيها معاني، قال بعضهم: هي أن تحكي الأقوال دائماً، وفي صحيح مسلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع} إذا رأيت الإنسان يحدث بكل ما سمع؛ فسوف يقع في الكذب لا محالة، يسمع القصة فيرويها فكاهة طرفة دعابة أطروحة، أي كلمة في المجتمع يرويها وينقلها لا يمحص ولا يقف عندها؛ فسوف يكذب لا محالة.
{قيل وقال} هي أن تبدأ الرجل بالسؤال، يأتيك رجل يريد ستر الله والطعام، ويدخل في بيتك، فتبدأ معه في مناقشة كأنك تناقشه في رسالة ماجستير، من صلاة المغرب إلى الساعة الحادية عشرة والثانية عشرة، كيف حالكم؟ كم عندك من الأطفال؟ متى ولدت؟ أين بيتك؟ كم عندك من غرف؟ فكلما فتح لك ملفاً فتحت له آخر، فهذا مكروه؛ لأن فيه إملالاً للضيف وسأم، لكن هذا يدرج في مسألة عدم تكثير الكلام بالقيل والقال.
وقيل: القيل والقال، هو أن يأتي طالب العلم فيورد أقوال العلماء بلا تمحيص، أن يقول: قال الإمام أحمد كذا، وقال أبو حنيفة، وقال مالك، وقال الشافعي، ثم يترك السائل في حيص بيص، يأتي السائل فيقول: كم أتمضمض؟ فيجيبه بقوله: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، ذهب الأحناف إلى أن المضمضة كذا وكذا، ولكن رد عليهم الشوافع، أما ابن حزم الظاهري فقال، ولكن مالك يرى هذا، وأما داود الظاهري فهذه ليست فتيا، يقولون: تسمى قيل وقال.
قال ابن تيمية: من أورد الأقوال؛ فإن كان أوردها تدليلاً وكانت مؤصلة فهذا مأجور، وإن كان أوردها تزوداً؛ فهذا متشبع بما لم يعط, فهو كلابس ثوبي زور، مثل رجل ليس عنده إلا ثوب واحد، فيركب يدين، يد من تحت اليد هذه، حتى تظهر كأنها يدين، فينظر الناس فيقولون: عليه ثوبان، وهو ثوب واحد، فهو لابس ثوبي زور.
كأن يأتي يسأل في مسألة فلا يعرف الأدلة ولا الأقوال، فيقول: وقال بعض العلماء، حتى يقولون: ما شاء الله، يغرف من بحر: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الحديد:21] فهذا تشبع بما لم يعط, وهو لابس ثوبي زور.
وقيل: قيل وقال هو: أن يتحدث بما لا ينفع في مجالسه، في الأسعار والأخبار والأمطار دائماً، أما هذا فلا بأس بها إذا كانت في حدود الحاجة، أما إذا زادت على أوقات الجد، وأخذت أوقات الذكر والقراءة والتلاوة، فهذا ليس بصحيح.