قال الصحابة: يا أبا بكر! نختار للرسول عليه الصلاة والسلام قبراً في ناحية من نواحي المدينة، قال أبو بكر: لا.
سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ما قبض نبي إلا دفن حيث قبض} فادفنوه مكانه، فكشفوا الفراش الرخيص، الفراش المتقشف، رفعوا الفراش وحفروا الأرض، وكان الحافر أبو طلحة، ألحد لحداً، فلما عمقوا اللحد سمعت أصوات المساح، وبكاء النساء وراء الحجب، ثم أتوا لتغسيل الجثمان الشريف، فقال النفر منهم علي والعباس: لا ندري هل نجرد الرسول عليه الصلاة والسلام من ثيابه، أو نغسله من فوق الثياب، فألقى الله عليهم النوم فناموا قليلاً وكانوا ستة أو سبعة، فسمعوا قائلاً يقول: اغسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من فوق ثيابه، فأخذوا يغسلونه ويرشونه بالماء من فوق ثيابه.
وعند البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام قال وهو في مرض موته: {إذا مت وغسلتموني وكفنتموني فضعوني على شفير القبر ساعة، فانتظروا ساعة، فإن ربي سوف يصلي علي} أي: إذا وضع على شفير القبر، وعلى طرف القبر، فلا يصلون عليه؛ بل ينتظرون ساعة، فإن الرحمن الرحيم الذي على العرش استوى سوف يصلي عليه.
أي عظمة! وأي تاريخ! وأي عطاء: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} [الضحى:5] هل فوق أن يصلي عليه -عليه الصلاة والسلام- ربه عطاء ? قال: {فإذا انتظرتم ساعة، فانتظروا ساعة أخرى، فإن ملائكة ربي سوف تصلي عليَّ، فإذا انتظرتم هذه الساعة، فصلوا علي زرافات ووحدانا، وليصلِّ عليَّ أحدكم في أي مكان، فإن صلاتكم سوف تبلغني، قالوا: يا رسول الله! كيف تبلغك صلاتنا وقد أرمت؟ -أي: بليت- قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء} فلما وضعوه على شفير القبر بعد أن كفنوه، وأخذت روائح الطيب تعج وتضج في المدينة من جسمه الشريف، وقفوا ساعة، ثم وقفوا أخرى، ثم تقدموا يصلون بلا إمام على الصحيح من أقوال أهل العلم، أبو بكر معه فرقة، وعمر معه أناس، والنساء والأطفال والأعراب.
قال الشوكاني: " صلّى عليه صلى الله عليه وسلم ما يقارب واحداً وثلاثين ألفاً، ودفن عليه الصلاة والسلام ".
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
يا خير من دفنت القاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم