الكراهة قد تكون تحريماً، وقد تكون كراهة بلا تحريم.
قال عليه الصلاة والسلام: {وكره قيل وقال} قيل: هو الذي يشعب الكلام على الناس وينقل الكلام، ما همه إلا المراسلة، فهو وكالة أنباء، قال فلان، ورد عليه فلان، وسمعت أن فلاناً قال، ولكن فلاناً يعترض عليه، فهو ينقل الشائعات، ليس عنده عمل، ولا يعرف كيف يقرأ القرآن، ولا يتدبر ولا يطلب العلم، ولا يدعو إلى الله، وإنما هو فارغ، من العمل، فيجلس من الصباح يتبرع بنقل الأخبار سمعت فلاناً قال فيك اليوم، وأنا لا أريد أنه قال فيك، فماذا تقول أنت؟ قال: أقول فيه كذا، فيذهب إلى فلان ويقول: قد أخبرته بما قلت فيه، فقال فيك كذا فهل هذا عمل مسلم مؤمن؟!
إن هذا عمل الذين لا يرجون لله وقاراً، وهم الفارغون في كل زمان ومكان، وهم الذين يسمون شيوخ القمر، ويخططون في التراب، ليس لهم أصالة ولا مكانة، وليس لهم حفظ ولا وقت، ثم تضيع أوقاتهم.
إذاً: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال، وهي استحداث الأقوال وجمعها بعض الناس يتظاهر بالعلم وليس عنده علم، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {المتشبع بما لم يعطَ كلابس ثوبي زور} أي: الذي يتظاهر بما ليس عنده مثل الرجل الذي له ثوب واحد، لكن له أكمام ثوبين، فيظهر للناس أن عنده كمين كأن عليه ثوبين، وهو ثوب واحد، فهذا مثل المتشبع بما لم يعط، كرجل فقير، إذا جلس في المجلس يتظاهر أمام الناس أنه غني، ويقول: أمرت أن يحول لنا شيكات على البنك اليوم! وماذا فعلت يا فلان في أراضينا في المدينة الفلانية؟ وماذا عملت في معرضنا؟ وليس عنده لا معرض ولا سيارات ولا شيء، فهو أعمى ويناقر، حشفاً وسوء كيلة.
فالذي يستحدث الأقوال وليس عنده علم، فإذا قيل له: يا شيخ! ما رأيكم في المسألة؟ قال: فيها ستة عشر قولاً! وهي ليس فيها إلا قول واحد، فإذا قيل له: أفدنا أثابك الله! قال: قال قوم كذا، وقال قوم كذا، وقال قوم كذا، فترك السائل وهو في ربكة ما بعدها ربكة، وهو لا يحفظ دليلاً لكل مسألة ولا يدري.
يقولون: أحد الحمقى كان له ابن عنده علم، وابنه هذا يريد أن يتظاهر أن أباه عالم، فقال لأبيه: إذا سألك الناس فقل: فيها قولان، وأنا سوف أفتيهم، لكن نريد أن يعرفوا أنك عالم ولست بجاهل، قال: سأفعل.
فسألوه، فقال: فيها قولان، قالوا: وما تفصيلها؟ قال: أحيلكم على ابني، فالابن يفصل، هذا يوجز وهذا يفصل، قالوا: ما رأيك في الله عز وجل؟ قال: فيه قولان، سبحان الله! {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:1 - 4].
فهذه (قيل وقال) وهي استحداث الأقوال، وقد عرض لها ابن تيمية وقال: هي التكثر بأقوال أهل العلم ولو لم يكن لها أصل.
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافٌ له حظ من النظر