ثم يأتي صلى الله عليه وسلم للناس ليدعوهم، فلا يستجيب له الكبراء ولا المترفون إلا ما قلَّ، بل يستجيب له الضعفاء فيؤذون، يسحب بلال أمامه عليه الصلاة والسلام على الحجارة، ويصيح بلال وهو يكوى كياً على رمضاء مكة وهو يقول: [[أَحَدٌ أَحَد، أَحَدٌ أَحَد]] فلا يستطيع صلى الله عليه وسلم أن يدفع عنه؛ ليعلم أن لا إله إلا الله.
ويمر صلى الله عليه وسلم بآل ياسر، وبكاؤهم ينعقد في طبقات الأثير، ويقول لهم: {صبراً آل ياسر! فإن موعدكم الجنة} أليس هناك ربٌ ناصر؟ ليعلم أن لا إله إلا الله.
وجاء في الصحيح من حديث صهيب وغيره: {يقول الصحابة: يا رسول الله! ألا تدعو لنا؟! ألا تستنصر لنا؟! ألا ترى ما نحن فيه؟! فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أنهم يستعجلون، ثم أخبرهم بالميثاق الذي يحمله فيقول: والذي نفسي بيده ليتمَّن الله هذا الدين حتى يسير الراكب مِِنْ صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم قومٌ تستعجلون} يعني: هو متأكد أنه سوف ينتصر، ويرى أصحابه يبطحون في رمضاء مكة، وما أسلم معه إلا أربعة: مولى، وشيخٌ، وصبيٌ، وامرأة، والله يقول له وهو عند الصفا وما عنده إلا أربعة، والجاهلية تحاربه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107].
ليس لقريش أو لـ مكة أو للجزيرة، بل للعالمين كلهم، يؤذى أصحابه صلى الله عليه وسلم إيذاءً بيناً، ولا يدفع عنهم ولا يستطيع، ويحبس صلى الله عليه وسلم أساه ولوعته وحرقته في قلبه صلى الله عليه وسلم.