يستمر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويواصل المسيرة، ويعيش فقيراً: {لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ} [هود:12] {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان:7] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى راداً عليهم: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً} [الإسراء:48] وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:10].
لا يجد كسرة الخبز، لا يجد مذقة اللبن، يعيش فقيراً عليه الصلاة والسلام مملقاً لدرجة أنه يجوع جوعاً ما جاعه الناس، وفي بعض الروايات: {أنه يضع الحجرين على بطنه صلى الله عليه وسلم} وقال عمر في الصحيح: {ما شبع صلى الله عليه وسلم ثلاث ليالٍ من طعام البُر} وذكر عن عائشة وهو في الصحيح: {أنه يمر بنا الهلال تلو الهلال لا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قالوا: فماذا كان طعامكم؟ قالت: الأسودان -التمر والماء-} سبحان الله! هذا الرجل الذي أتى -بإذن الله- بالموائد لهذه الأمة، وفتح لها الحدائق والبساتين، وأسكنها قصور الطغاة في أنحاء العالم، لا يجد إلا الأسودين: التمر والماء، لماذا؟ ليعلم أن لا إله إلا الله.
ينام عليه الصلاة والسلام على الحصير فيؤثر في جنبه، وفي البخاري عن أنس أن عمر رضي الله عنه وأرضاه: {دخل مشربة؛ اعتزل فيها صلى الله عليه وسلم نساءه، فقام صلى الله عليه وسلم لما دخل عمر فوجد عمر الحصير قد أثر في جنبه صلى الله عليه وسلم، فدمعت عينا عمر وقال: فأدرت طرفي في البيت فلم أجد إلا قليلاً من شعير معلق، قال عمر: يا رسول الله! هذا كسرى وقيصر وهما أعداء الله في هذا النعيم، وأنت رسول الله في هذه الحالة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفي شكٍ أنت يا بن الخطاب؟ أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا}.
{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً} [الفرقان:10].