ثم كفله جده، فسعد بجده، وظن أن جده سوف يقوم مقام الوالدين، وسوف يدافع عنه وينافح، ولكن كلما تعلق قلبه في جهة انقطعت هذه الجهة؛ ليعلم أن لا إله إلا الله.
يقول بعض أهل العلم: إن السر في أن إبراهيم أمره الله عز وجل أن يقتل إسماعيل هو أنه تعلق بإسماعيل، فأراد الله عز وجل أن ينهي هذه المحبة والخلة لتبقى بينه وبين إبراهيم؛ ليبقى إبراهيم خليلاً.
فالرسول عليه الصلاة والسلام كلما تعلق بشيء غير الله قطعه الله من هذا المتعلق به ومن هذا السبب؛ ليعلم أن لا إله إلا الله، فمات جده، فكفله عمه، واستمر عليه الصلاة والسلام مع عمه.
قال بعض أهل السير، وذكرها ابن كثير في التفسير، وأشار إليها شيخ الإسلام ابن تيمية:"من حكمة الله عز وجل البالغة أن جعل عمه كافراً يذب عنه وهو رسول" إذ لو أسلم لاضطهد الكفار أبا طالب، ولجعلوه في دائرة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكنه والاهم من جهة، وخالفهم من جهة، فولاؤه لهم بالكفر -أعني أبا طالب - جعلهم لا يعتدون على الرسول عليه الصلاة والسلام، وظل أبو طالب يذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهو الذي يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسَّد في التراب دفينا
وهو صاحب اللامية الشهيرة الباهرة:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة للأرامل
إلى آخر ما قال، فلما استأنس صلى الله عليه وسلم، وركن إليه، ووجد فيه النصرة والقوة، مات عمه؛ ليعلم أن لا إله إلا الله.
فإلى من يلتفت من البشر -ولا بد للإنسان مهما عظم صبره وجلده- من قريب، أو صاحب، أو صديق يستأنس به، ويقول الشاعر:
ولا بد من شكوى إلى ذي قرابة يواسيك أو يسليك أو يتوجع