إقبال يتفجع على مجد المسلمين، كان شعره قطعاً من نور، وحمماً من براكين، وقذائف من زلزال، كان شعره يترنم به جيش الباكستان في أول ما قامت دولة محمد علي جناح، كان جيشه يصلح في الطوابير الصباحية، وكان ينشد جيشه على مستوى العالم، حتى أن له بعض المقطوعات ترجمت إلى شعر الإنجليز وترجمت بالروسية, وله شعر بالعربي، وشعر بالبشتو وبالفارسي وبالأردو، فهو شاعر على مستوى العالم، وشعراء العالم في هذا العصر كما يقولون خمسة هم:
محمد إقبال، وحالي، والسعد الشيرازي، وطاغور وشكسبير.
ويقول وهو يتفجع على المسلمين وقد زار قرطبة، ووقف أمام الجامع ولم يجد المسلمين, وجد المسجد قد حول إلى حانات من الخمر والعياذ بالله، وجد العاهرات وهن في محراب المسجد؛ فبكى، وجلس عند الباب وأنشد قصيدته الفضفاضة الشهيرة في مسجد قرطبة وهو يقول:
أرى التفكير أدركه خمول ولم تبق العزائم في اشتعال
وأصبح وعظكم من غير نور ولا سحر يطل من المقال
وعند الناس فلسفة وفكر ولكن أين تلقين الغزالي
ثم يقول:
وجلجلة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال
يقول: تؤذنون ولكن نغمة بلال لا تجيدونها، عندكم أذان ولكن لا تستطيعون أن تؤذنوا مثل بلال.
وجلجة الأذان بكل حي ولكن أين صوت من بلال
منائركم علت في كل ساح ومسجدكم من العبَّاد خالي
وأما قصيدة (إن الله اشترى) فهو يتكلم بها إلى العالم الإسلامي كله, ويخبر بأهل بيعة الرضوان رضوان الله عليهم: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111].
وفي مقالة له نثرية يقول:
أتيت إلى العرب فوجدتهم يتقاتلون، وأتيت إلى الأتراك فوجدتهم يصبغون بالبويات أطراف الزجاج.
-أي: أصبحوا نجارين وخشابين وأتيت إلى الهنود وهم يبحثون على الخبز في الأسواق، ولكن ما وجدت من الأصناف من يحمل لا إله إلا الله للعالم، فكل مشغول بخبزه وسيارته ووظيفته، لكن ما وجد محمد إقبال جيلاً يحمل لا إله إلا الله.
يقول:
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
حتى هوت صور المعابد سجداً لجلال من خلق الوجود وصورا
ومن الألى دكوا بعزم أكفهم باب المدينة يوم غزوة خيبرا
أين هم؟ من هم؟ إنهم أجدادنا.
أم مَن رمى نار المجوس فأطفئت وأبان وجه الصبح أبيض نيرا
ومن الذي باع الحياة رخيصة ورأى رضاك أعز شيء فاشترى
إنهم المسلمون.
وهي من أبدع ما قال في حياته.
أما قصيدته المشهورة والتي يعرفها غالبكم وهي "شكوى "، فقد بدأها بقوله:
حديث الروح للأرواح يسري وتدركه القلوب بلا عناء
يقول: أنا أتكلم من روح إلى روح ومن قلب إلى قلب، أنا لا أتكلم إلى الآذان، فقد أكثرنا من الندوات والمحاضرات.
هتفت به فطار بلا جناح وشق أنينه صدر السماء
ومعدنه رخاميٌّ ولكن سرت في لفظه لغة السماء
هذا محمد إقبال في شكواه يتفجع على المسلمين، ثم يقف على معالم أسبانيا بعد رحيل المسلمين من هناك، ويرى مساجدهم ويرى القرآن وحلقات العلم قد عطلت، ويرى الفرنجة قد استولوا على معالم الدين هناك فيقول:
قد كان هذا الكون قبل وصولنا شؤماً لظالمه وللمظلوم
لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم
وصف الكون بروض, ولكن هذا الروض يبس، وصوح نبته، وماتت أعشابه، وذوت أزهاره، وماتت أطياره، وجف معينه، فأطل محمد صلى الله عليه وسلم، فاهتزت الروح وربت وأنبتت من كل زوج بهيج، لما أتى محمد عليه الصلاة والسلام اهتز الكون:
لما أطل محمد زكت الربى وافتر في البستان كل هشيم