هذا الرجل عرف الحضارة ودرسها ودرَّس هناك، وقادهم في كثير من القضايا الفكرية وهو يعرفها معرفة تامة, يقول أبو الأعلى المودودي رحمه الله: كنا نعظ الناس ونحذرهم من الحضارة الغربية، فما يستمعون إلينا لأنا ما سافرنا إلى الغرب، فلما أتى محمد إقبال يحذرهم من الحضارة الغربية، أنصتوا إليه واستمعوا واتعظوا بما قال.
مر معنا ماذا قال في ألمانيا عندما رآها ورأى حضارة القصور, وهو المنطق الإيماني، لكن من شبابنا من يسافر إلى هناك ويأتي يمدح لنا أوروبا، ويمدح لنا أمريكا، إنهم يمدحون ناطحات السحاب، والطائرات والسيارات والقاطرات , جلست مع شاب يتحدث عن أمريكا فقال:
رأيت في مدينة دلس عمارة طولها مائة وستة وخمسون دوراً.
وهو مثلج الصدر متعجب، ويقولون: في أمريكا أكثر من ألف مطار، وفي أمريكا شوارع تحت الأرض لا يدري بها الذين فوق الأرض، ثم ترك هذا كله في جانب، وترك جانب الروح والإيمان.
قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ * بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ} [النمل:65 - 66].
أما تركوا منهج الله؟ أما قلبوا في الحياة لما انحرفوا عن لا إله إلا الله؟ أما انتحر الكثير منهم؟ أما تفصمت عرى الأسر عندهم؟ أما فشا الربا؟ وأصبحت المرأة سلعة رخيصة في المنتديات والمسرحيات؟ أما أصبح الشعب هائجاً مائجاً فارغاً؟ أما أصبحت الآلة عندهم أغلى من الإنسان؟ أما أصبح الإنسان عندهم من العجلة يأكل وهو واقف كالآلة؟ أما أصبح عندهم العبد مبرمجاً يذهب ويأتي؟ أما أصبح الرخيص عندهم يعمل ولكن عليه الجنابة سنة كاملة لا يغتسل؟ أما أصبح الإنسان يبول واقفاً كالكلب أمام الملايين من الناس في الشارع؟ أما أصبح الكلب مقدساً معظماً؟
احتج على كلب ضرب في دنفر ورفعوا فيه مذكرة، بينما شعب فلسطين والأفغان يسحقون بالألوف وما احتُج لذلك، بل التي تحتج ضد القرار دائماً هي أمريكا، هي صاحبة النقض نقض الله أساسها، وهي صاحبة الفيتو فتت الله رشدها دون هذا الشعب؛ لكن للكلب عندهم مقدراً, رأينا والله عجوزاً في أكلاهوما إذا أصبحت الصباح تغسل كلبها بالشامبو والصابون والماء الدافئ وكان الجو بارداً، ثم تركبه في السيارة بجانبها في الميمنة وهي تقود، وتطيبه وتعطره وتركب الميدالية في نحره، نحرها الله، أهذه هي الحضارة؟!! أمنتهى الحضارة أن يبقى الإنسان على هذا المستوى؟! محمد إقبال نثرها وخرج من ألمانيا , وأتى إلى المسلمين وأعلن أن الحضارة محتاجة إلى إيمان المؤمنين وصلاة المصلين وصدق الصادقين، يقول للمسلم:
أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك
محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك
يقول: ليس في العالم إلا أنت، ولا يضرك هذا الضجيج والإعلام والفلسفة، لأن أذناب العلمنة الذين ولدوا في لوس أنجلوس ودرسوا في ديفرسايد، ولا يعرفون القرآن ولا زمزم ولا توضئوا بالماء، طلسموا عقول الناس وجعلوا الدين خرافة ورجعية, فيقول محمد إقبال:
أنت كنز الدر والياقوت في لجة الدنيا وإن لم يعرفوك
يقول: أنت في لحافك، وأنت في طرف المسجد، أشرف من ألف من أمثال ريجن وكارتر وفورد، ثم يقول:
محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العالي وإن لم يسمعوك
يقول: لكنك لم تتكلم ولم تهدِ الشعوب.
ويقول: كريسي مريسون الأمريكي كما ينقل عنه:
يا مسلمون! قدمنا لكم الثلاجة والسيارة، والغسالة والطائرة ولكن ما قدمتم لنا الإيمان.
يقول محمد إقبال تكلم, اخرج, عظ الناس.
وحضارتهم يسميها حضارة القشور والتبعية ويقول:
دخلت ألمانيا فأظلم قلبي، وانطفأت معالم الروح في نفسي، ونسيت حلاوة القرآن التي كنت أجدها في البنجاب، لماذا؟ يقول:
لأن الفتاة العاهرة تجلس بجانبي على كرسي الدراسة، وكأس الخمر على ماستي، يعني: زميله يجعله على ماسة محمد إقبال، وإلا فـ محمد إقبال مؤمن، فلذلك أتى وهو ثائر كالمصدوع، متفجر الرأس, وينذر الناس من هذه الحضارة ويقول: أيقظوا العالم, أيقظوا الناس، وجهوهم إلى الله رب العالمين.