فهذا سلمان الذي عرف الطريق إلى الله، ولاه عمر بن الخطاب على الكوفة , فذهب وخرج أهل الكوفة لاستقباله لما سمعوا بقدومه، وظنوا أنه سوف يأتي في حشد عظيم عرمرم من الناس، فأتى على حمار! نعم، يركب الحمار وتحته حلس وبيده عضو من لحم ينهشه نهشاً لأنه جائع، فتقدم إليه أهل الكوفة وقالوا له: هل رأيت سلمان الفارسي الذي أرسله عمر إلينا قال: أنا سلمان الفارسي.
قالوا: لا تضحك علينا، لا تستهزئ بنا.
فقالوا مثل ما قالت بنو إسرائيل حين قالوا: {أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:67] الوقت ليس وقت مزح.
لماذا؟ لأن أهل العراق كانوا مجاورين للدولة الفارسية ذات القصور الشاهقة التي كانت تموه بالذهب والفضة، ذات الكنبات والديباج والإستبرق والطنافس، كان ظن أهل الكوفة أن الدين دين زينة ومظاهر, لكنه قال: نحن جئنا ببساطة وحياتنا للأرواح, وجئنا لرفع مستويات القلوب، فنزل معهم أميراً, فكان يعطيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عطاءه -راتبه- فيوزعه ثلاثة أثلاث: ثلث له، وثلث يهديه، وثلث يتصدق به.