إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
إخوتي في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أشكر لأصحاب الفضيلة وإخوتي الأساتذة وأحبابي الحضور حضورهم ومشاركتهم، وهذا الدرس بعنوان: (فن تأليف الأرواح).
وفن تأليف الأرواح نأخذه من محمد صلى الله عليه وسلم، بسندٍ صحيح من ميراثه، نتذاكره هذه الليلة ونتعلمه ونتربى عليه، في ليلة 22/ 10/1412هـ مساء السبت بجامع أبي بكر الصديق بـ أبها.
اللهم ألف الشتات، وأحي القلوب الموات.
اللهم اجمع الكلمة، ووحد الصف وبارك في المسيرة، وانفع بالأسباب.
اللهم لُم شعثنا، وارحم غربتنا، وفك كربتنا، وحقق على الحق وحدتنا، وأظهر على الباطل قوتنا.
اللهم صل حبالنا بحبلك، وسد حاجتنا من فضلك، اللهم اعصمنا من الزلل، وأنقذنا من الخطل، واحرسنا من الحادث الجلل، اللهم ثبت منا الأقدام، وسدد منا السهام، وارفع منا الأعلام، وانصر بنا الإسلام.
اللهم نجنا من الكوارث واحمنا من الحوادث، وأصلح النيات والبواعث.
اللهم انزع من قلوبنا الغل على الإخوان، والضغينة على الجيران، والحسد للأقران.
اللهم اغسل قلوبنا بماء اليقين، واسق أرواحنا من كوثر الدين، وأثلج صدورنا بسكينة المؤمنين.
اللهم سلمنا وسلم منا، وعافنا واعف عنا.
يا لطيف! نسألك اللطف والتخفيف، والمنزل الشريف، والعطاء المنيف، والقلب العفيف.
وقفنا ببابك هذا المساء ولسنا من الذنب بالأبرياء
وقفنا ببابك يا من له تسيل الدموع ويهفو الدعاء
فيا ربِّ هيئ لنا منة من الغيث ما يحتوي كل داء
أيها الإخوة! قبل أن أشرع بعونٍ من الله أقف وإياكم مع ضيفٍ كريم أمنا في هذا المسجد المبارك وهو الشيخ الداعية عبد الله بن محمد بن حميد الزميل والأخ الوفي، لنقف معه وقفة ثم نواصل معكم المحاضرة فليتفضل.
الحمد لله القائل: {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً} [النساء:110] الحمد لله على ما قضى وقدر، ونعوذ بالله السميع العليم من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونصلي ونسلم على رسول الله القائل: {ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا، ويعرف لعالمنا حقه} صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أيها الأحبة في الله! أنا أعلم أنني متطفل على هذا المكان الذي لا يستحقه إلا شيخنا الداعية فضيلة الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني، الذي كلنا شوقٌ إلى سماع توجيهاته الكريمة، وكلماته المحببة إلى النفوس، ولكن أشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً على أن هيأ لي هذه الفرصة الطيبة المباركة، التي انتهز فيها لحظات يسيرة أرجو منكم أن تتحملوني فيها، ثم أشكر شيخي وأخي وزميلي الشيخ/ عائض إمام هذا المسجد حفظه الله على إتاحته لي هذه الفرصة الثمينة، التي كان لابد لي من الوقوف فيها والجلوس أمامكم إثر ما حصل من اختلاف في وجهات النظر بيني وبين شيخي، كان لابد من الجلوس أمامكم حتى تزول الشكوك التي ساورت بعض النفوس ولها الحق في ذلك، وليعلم من يستمع إلى كلامي بأنه مهما حصل من اختلاف في وجهات النظر بين الأحبة والإخوان فإن ذلك لا يفسد للود قضية، فنحن والله الذي لا إله إلا هو إخوة متحابون في الله عز وجل، تجمعنا رابطة الإيمان والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] ولكن الواحد منا لضعفه البشري يعتريه ما يعتري البشر من الضعف والوسوسة والنزغات، وقد تغلبه العاطفة أو يجمح به الهوى أو تغلبه حظوظ النفس، فيحكم على قضية من القضايا دون استشارة ولا استخارة ولا روية، ثم بعد ذلك يتندم حيث لا ينفع الندم.
ولعل ما حصل وما سمعتموه وقرأتموه من خلافٍ بيني وبين شيخي قد أثار استغرابكم وأعقب حزازة في نفوسكم، ولكن لا أقول إلا أن ذلك جرى بقضاء الله تعالى ومشيئته: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} [الإنسان:30] فما كان ينبغي أن يحصل ما حصل ولكنها المشيئة الربانية، ولعل في ذلك خيراً لي وله ولكم حتى نتجنب الاستعجال وما لا ينبغي أن يقال نتجنب العبارات التي لا تستساغ عند العقلاء، وخشية من كثرة البلبلة وانتشار الشائعات وبمثل ما انتشرت به قالة السوء بين الناس، وهذا في الواقع ليس في مصلحة الدعوة إلى الله عز وجل، فأبشركم وأطمئنكم وما وقفت في هذا المكان إلا بعد أن اعتذرت إلى شيخي حفظه الله، وذهبت إليه في بيته واعتذرت منه فقبل العذر جزاه الله خيراً، وهكذا دأب علمائنا ومشايخنا حفظهم الله.
فلقد اعتذرت إليه فعذرني وأكرمني بالصفح وقابلني بالحب، وهذا دأبه حفظه الله ووفقه وثبته على الحق، فإن الذهب الخالص لا تزيده النار إلا جودة ولمعاناً وبريقاً، وهو يعلم إجلالي وحبي له في الله عز وجل وأنتم كذلك، وأعلم أنه لا يحب الثناء والمدح، ولكن الحقيقة تفرض نفسها فما عرفته إلا شيخاً جليلاً وداعيةً إلى الله عز وجل مؤثراً بحديثه أيما تأثير
وما حسنٌ أن يمدح المرء نفسه ولكن أخلاقاً تذم وتمدح
وما عرفت عنه إلا الحلم والعلم الجم والتواضع وحسن الخلق وكرم النفس وصفاء السريرة وطيبة القلب، والعفو عن الإساءة.
فيا رب هب لي منك حلماً فإنني أرى الحلم لم يندم عليه حليم
وقد قيل: من اعتذر إليه أخوه المسلم فليقبل عذره ما لم يعلم كذبه، وأنا أشهد هذا الجمع المبارك وأنا صادق فيما أقول أنني قد اعتذرت لشيخي حفظه الله فقبل العذر وعاد الصفاء والوئام بيننا ولله الحمد، وما مثله في الحلم إلا كمثل أشج عبد القيس حينما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: {إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة}.
ومثلكم أيها الإخوة! من يقيل العثرة ويتجاوز عن الهفوة؛ فإن الكريم إذا قدر غفر، وإذا أوثق أعتق، وإذا أسر أطلق.
ومن يك ذا عذرٍ إليك وحاجةٍ فعذري إقراري بأن ليس لي عذر
وقال آخر:
قيل لي قد أساء فيك فلانٌ وقعود الفتى على الضيم عار
قلت قد جاءنا فأحدث عذراً دية الذنب عندنا الاعتذار
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: {كل بني آدم خطاءٌ وخير الخطائين التوابون} فليس العبرة -أيها الإخوة- أن يخطأ الإنسان فإن من طبيعة البشر أن يخطئ، لكن العبرة في أن يتراجع إلى الحق، فإن الرجوع إلى الحق فضيلة، وفقنا الله وإياكم إلى الصواب، وجنبنا الزلل فيما نقول وفيما نعلم، ولسنا بدعاً فيما حصل من خلاف فإن سلف هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم وعلى جلالة قدرهم وعلو منزلتهم وكعبهم في العلم والفضل حصل بينهم من الاختلافات ومن المنازعات.
سامح أخاك إذا خلط منه الإصابة بالغلط
وتغاض عن تعنيفه إن زل يوماً أو سقط
واذكر صنيعك عنده شكر الصنيعة أو غمط
واعلم بأنك إن أردت مهذباً رمت الشطط
من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
فأشكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أولاً، ثم أشكر فضيلة أخي وشيخي الشيخ/ عائض بن عبد الله القرني وأناته وحلمه وكريم فضله بعد فضل الله عز وجل، وأشكر كذلك شكراً جماً الإخوة الأكارم الذين عز عليهم أن يحصل نزاع أو خصامٌ بين الأحبة في الله عز وجل، ثم أشكركم على حسن إصغائكم.
ومعي بهذه المناسبة الكريمة أبياتٌ شعرية نظمتها وصغتها بحرارة مشاعري ونبضات قلبي، لعلها تكون شافعة لي عند شيخي حفظه الله، فتمحو ما بدر مني من هفوة أو عبارة غير مؤدبةٍ أو زللٍ، وهي والله تعبر عن قليلٍ من كثيرٍ مما أكنه لفضيلة الشيخ حفظه الله من محبةٍ وإجلال، وعنوان الأبيات: رسالة محبة واعتذار.
سلامٌ كما فاحت زهور عواطر يفيض به من منبع الحب خاطر
يفوقه كالودق من بين مزنه ويسمو به من طيب الغيث ماطر
عليك سلام الله يا شيخ عائض! ورحمته ما دام سمعٌ وناظر
وإني على الود القديم محافظٌ وهذا مقالي والشهود الضمائر
ومعذرةً مما أسأت بحقكم فأنت وربَّ البيت بالفضل عامر
أبى الله إلا أن تكون نفوسنا معرضة للزيغ والله غافر
لنا قدرة في الصبر إن جل حادثٌ ألم بنا إلا النوى والتهاجر
كلانا بحب الدين قد قام داعياً ولم تثننا عما نريد المحاذر
وعادة رب الجود والنصر شأنه وعادة أهل الدين منا التغافر
وعقباهم محمودة ومردهم إلى الله والزلفى لهم والبشائر
ألا إن نصر الله للدين واقع ولله أنصارٌ وللحق ناصر
ويا أيها الغادي بشكٍ وحيرةٍ وغمٍ وهمٍ تحتويه المخاطر
تمهل رعاك الله لا تظلمنني فمن رام عذراً أمكنته المعاذر
أسأت إلى شيخي بقولٍ نشرته فعذراً له إن أعجلتني البوادر
ولله ما أزكاه إذ زرت بيته أُرجي قبول الصفح والدمع قاطر
فقابلني بالبشر يشرق وجهه بنور الهدى والحب نعم المؤازر
وودعني بالحب ما في فؤاده من البغض أوضارٌ سعى وهو طاهر
وليس عجيباً صفحه ووفاؤه فمعدنه الإيمان والصدق ظاهر
وما زال يسمو بالمعالي لأنه لكالعلم الهادي يُرى وهو زاهر
إمامٌ له في الفضل سبق ورتبة وبالعلم إلمامٌ وللحق ناصر
ولله در الشيخ إن قام واعظاً فمن غيض ما يلقيه والبحر زاخر
فكم من قلوبٍ هزها بحديثه وكم من دموعٍ أسبلتها المحاجر
إذا شئت علماً فالزم البحر زاخراً وإن شئت شعراً فالمزون البواكر
وقام بأمر الله للدين داعياً كذلك من يدعو إلى الله ظافر
حليمٌ إذا ما كان للحلم موضعٌ كريم بذكراه تطيب المحاضر
وما أنا إلا نبتةٌ من غراسه أسير على درب الهدى وهو آمر
فجازاه ربي عن محبيه جنةً وتوفيقه فالبر بالصفح غامر
رعى الله إخواناً رعوا عهد ودنا وشق عليهم أن يكون تهاجر
وشكراً لهم شكراً عظيماً مكرراً على الصلح ما أثنى على الله شاكر
وصلى على المختار ما طر شارقٌ وما ازدان نجمٌ أو تحرك طائر
وأصحابه والآل ما قال قائلٌ سلامٌ كما فاحت زهورٌ عواطر
أسأل الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى رب العرش أن يجعلنا وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأن يسلل سخائم قلوبنا، وأن يجعلنا إخوةً متحابين فيه عز وجل، وأن يبصرنا بالحق ويهدينا إليه ويثبتنا على الإسلام والإيمان حتى نلقاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.