ومن طرق تعليمه صلى الله عليه وسلم ضرب الأمثلة، يأتي عليه الصلاة والسلام يقول: {إن مثلي ومثلكم كمثل رجل أتى إلى قومه وقال: يا أيها القوم! إن العدو سوف يصبحكم، فأنا النذير العريان} النذير عند العرب، هو: الذي ينذرهم جيشاً أو عدواً أو خصماً، والعريان: كان العرب إذا أرسلوا نذيراً خلع ثيابه وبقي عارياً، فعرفوا أن الخطر مدلهم.
وموقف آخر، عندما أتاه أعرابي -وانظر إلى الأعراب- وغلظتهم يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63] أي: تأدبوا مع محمد صلى الله عليه وسلم، أتدرون من هو؟ إنه محمد صلى الله عليه وسلم، رسول البشرية، معلم الإنسانية، مزعزع كيان الوثنية، فيأتي الأعرابي، فيمسك بجبته صلى الله عليه وسلم -كما في حديث أنس الذي أصله في الصحيحين وكان عليه برد نجراني غليظ الحاشية فجذب به حتى أثر على رقبة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فالتفت صلى الله عليه وسلم -هل التفت مزمجراً؟ هل التفت مغضباً؟ لا، إنما التفت صلى الله عليه وسلم متبسماً ضاحكاً- ولما التفت إلى الأعرابي مبتسماً عليه الصلاة والسلام قال: مالك؟ ماذا تريد؟ قال: يا رسول الله! أعطني من مال الله الذي عندك لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فضحك صلى الله عليه وسلم، وأعطاه مالاً، فعاد الأعرابي وهو يقول: جزاك الله من أهلٍ وعشيرةٍ خيراً، فقال صلى الله عليه وسلم للناس: أتدرون ما مثلي ومثلكم ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له دابة فنفرت فتبعها الناس فازدادت نفوراً، فأتى بخضار الأرض فأتت الدابة فأمسكها.
فإن هذا الأعرابي لو تركتكم وإياه؛ لترك الدين ومات كافراً ودخل النار؛ فهذا مثل ضربه صلى الله عليه وسلم؛ لتستقر هذه الحقيقة.
وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلاً يبين فيه الأجل والأمل للإنسان، فرسم مربعاً، وخط خارج المربع، خطاً، وهو الأمل، والأجل طرف المربع الذي يفصل هذا الخط، والإنسان داخل المربع، وقال: {هذا الإنسان، وهو وهذا أمله، وهذا أجله وهذه العوارض إن أخطأه هذا نهشه هذا}.
ونحن هنا ذكرنا بعض الأمثلة التي ذكرها صلى الله عليه وسلم وإلا فهي كثيرة جداً والمقصود منها هو: أن نعرف كيف نضرب الأمثلة للناس ونعلم أن هذا منهج قرآني، كما يقول تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً} [النحل:75] ثم يضرب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عدة أمثلة في القرآن.