أولها: التعليم بالقدوة وبالعمل، قال تعالى حاكياً عنه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:21].
فكان يعمل العمل ويقول للناس: افعلوا كما أفعل، ففي حديث البخاري عن مالك بن الحويرث: يقول صلى الله عليه وسلم: {صلوا كما رأيتموني أصلي} وفي الصحيحين كما في حديث سهل بن سعد أنه قال: {قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فصلى بنا، فصلى الناس بصلاته}.
يا أيها الفضلاء! يا أيها الدعاة! يا أيها العلماء! إن الذي ينقصنا اليوم في مدارسنا وجامعاتنا هو التطبيق للعلم، تطبيق بالعمل، والعجيب أن الكافر العميل يعرف هذا المبدأ، فالكفار ينشرونها في كتبهم، حتى يقول الأمريكي دايل كارنيجي في كتابه دع القلق وابدأ الحياة: "إنك إذا لم تطبق للناس علمك؛ فإنهم لن يتعلموا منك أبداً " والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، دخل الجنة} هذا حديث مسلم عن عثمان.
وفي الحج: الرسول صلى الله عليه وسلم يحج، ويقف بنفسه في عرفات، ويرمى الجمار، ويبيت في مزدلفة، وفي منى، ويقول:
{خذوا عني مناسككم}.
التطبيق للعلم هذا هو الذي عرضه صلى الله عليه وسلم للبشر، كان يقول لهم: كونوا صادقين، ويكون هو صلى الله عليه وسلم أصدق صادق في الدنيا، يقول: قدموا دماءكم في سبيل الله، ويتلو عليهم قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:111] ويكون أول من يقدم دمه صلى الله وسلم عليه، يقول في معركة بدر قبل المعركة بدقائق: {يا أهل بدر! -يعني المسلمين- إن الله اطلع عليكم فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم، والذي نفسي بيده يا أهل بدر! ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء؛ فتدخلون الجنة}.
فيأتي عمير بن الحمام الزاهد، العابد، الفقير، الذي ما عنده إلا سيفه يوم ترك ذريته وداره في المدينة فقال: يا رسول الله! أسألك بالله ما بيني وبين الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء؟! قال: والذي نفسي بيده ما بينكم وبين الجنة إلا أن يقتلكم هؤلاء، فرمى بتمرات كن معه، ثم كسر جفن سيفه، وقال: اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى، وأخذ درعه، وخلعه من على أكتافه، ولذلك ورد في الأثر: {إن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يضحك -كما يليق بجلاله- من العبد؛ يلقى العدو حاسراً} مثل عمير بن الحمام - فتقدم فقاتل حتى قتل رضي الله عنه، لكن القدوة بالتعليم، يوم يرى الرسول صلى الله عليه وسلم في أول القتال يصاب، ويضرب صلى الله عليه وسلم، ويقول للناس: جاهدوا المشركين وهو أول مجاهد، يدعوهم لقيام الليل، وهو يقوم الليل ويبكى من خشية الله وخوفه.
في سنن أبي داود وسنده حسن عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه، قال: {دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، ولصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء} المرجل: القدر إذا استجمع غلياناً، من البكاء من خشية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، هذه من طريقة التعليم بالقدوة.
أما القدوة بالعمل فالسلوك والأدب والتقوى، يقول عليه الصلاة والسلام: {أنا أعظمكم وأتقاكم لله} وصدق، والله إنه أتقانا لله، وأعرفنا به، وأخشانا له، صادق يقول الصدق، مخلص يقول الإخلاص، منيب يعرف الإنابة.