لقد امتدح الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالرحمة، وأخبره أنه ألف القلوب بالرحمة، ولو كان غير ذلك لما تألفت له قبائل العرب، ولو أنفق ما في الدنيا من ذهب وفضة.
فالعرب أمة مبعثرة همجية ما لم يسيطر عليها الإسلام، وهي أمة مشاغبة متمردة ثائرة، ولذلك لم يكن لها حضارة، وثقافة، ولم تكن لها دولة حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا إله إلا الله، وألف بين قلوبهم، قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال:63] فكان عليه الصلاة والسلام يمتاز بالرحمة، حتى يقول الله تبارك وتعالى له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] أي: لو سستهم بالشدة والجبروت والسفك؛ لتفرقوا وتبعثروا وما اجتمعوا لك أبداً.
يأتي الرجل يحمل من الحقد والحسد والضغينة والقتل للرسول صلى الله عليه وسلم الأمر العظيم، فيعفو عنه صلى الله عليه وسلم ويتبسم له، فيعود حبيباً قريباً إلى قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].