كان يمر عليه الصلاة والسلام في سكك المدينة على الأطفال، فيقبِّلهم، وكثير من الناس اليوم جبار متكبر، يرى أن من أحقيته وشخصيته وعلوه وسموه ألا يدنو إلى طفل في الشارع، فيمسح رأسه ويقبله؛ يقول: مالي ولأطفال الناس؟! وحضرتي تتنزل إلى هذا لأطارد الأطفال في السكك لأمسح رءوسهم وأقبلهم، لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يدنوا منهم ويقبلهم.
وإذا رحمت فأنت أمٌ أو أبٌ هذان في الدنيا هما الرحماءُ
فإذا أخذت العهد أو أعطيته فجميع عهدك ذمةٌ ووفاءُ
فإذا سخوت بلغت بالجود المدى وفعلت ما لا تفعل الأنواءُ
وإذا غضبت فإنما هي غضبةٌ في الحق لاضعن ولا بغضاءُ
وإذا سعيت إلى العدا فغضنفر وإذا غضبت فإنك النكباءُ
أتى صلى الله عليه وسلم ليصلي بالناس، فسمع طفلة -وهي ابنة بنته زينب وهو جدها عليه الصلاة والسلام- تبكي وقد أقيمت الصلاة، فهل يصلي ويترك الطفلة تبكي، أم يتشاغل بالطفلة عن الصلاة وعمرها سنتان؟ فأخذها على كتفه الأطهر الأرأف الأشرف، وتقدم الصفوف، ليُري القواد والزعماء والعلماء أنه أرحم الناس، فكان إذا سجد وضعها في الأرض، وإذا قام رفعها، فهل بعد هذه من رحمة؟!
يصلي عليه الصلاة والسلام بالناس، ومن حبابته للقلوب وقربه للأرواح يأتي الحسن والحسين عليهما رضوان الله أبناء فاطمة الزهراء البتول الراشدة المرضية، فينظران الرسول عليه الصلاة والسلام ساجداً في صلاة الظهر، ووراءه في الصفوف الرجال والنساء والأطفال، فضاقت بهم الدنيا إلا ظهر المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأعجبهما المنظر يوم سجد صلى الله عليه وسلم وأرخى أكتافه، فصعد الحسن على ظهره، ثم صعد الحسين، وأصبح صلى الله عليه وسلم ساكناً في سجوده وأطال السجود، فلما سلم سأله الناس: {ما لك أطلت السجود يا رسول الله؟! قال: إن ابني هذين ارتحلاني فخشيت أن أوقعهما في الأرض فأوذيهما، فانتظرت حتى نزلا} فمن يفعل هذا؟!
إننا نتعامل مع الأطفال بالضرب والشتم والمطاردة في المسجد، حتى إن كثيراً من الأطفال أصبح يخاف من المسجد خوفاً عظيماً، لما يسمع فيه من التهديد والإرهاب والثوران، لكن المصطفى صلى الله عليه وسلم تحبب إلى الأطفال حتى دخل عليه الصلاة والسلام إلى قلوبهم.
يذهب إلى أحد الأطفال، وكان له طائر يلعب به، فمات الطائر فأصبح موت هذا الطائر مصيبة في حياة الطفل، فيعزيه صلى الله عليه وسلم ويقول -والحديث صحيح-: {يا أبا عمير! ما فعل النغير} فما كأن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلا متفرغاً لهؤلاء الأطفال، مع العلم أن هموم البشرية وأحداثها تدور على كتفه صلى الله عليه وسلم.