يعلمنا الرسول عليه الصلاة والسلام أن الرحمة لا تكون بين الناس فحسب، لا بين الرجل وزوجته، ولا بين الرجل وابنه فحسب؛ بل بين الكائنات فقد أخبر صلى الله عليه وسلم: {أن رجلاً من بني إسرائيل مر يوماً من الأيام ببئر مطوية، وقد بلغ به من الظمأ ما الله به عليم، فنزل وشرب، فلما روي صعد من البئر، فرأى كلباً يلهث -والكلب من أخس الحيوانات- لكن الكلب يحمل كبداً رطبة، ويحمل قلباً يتأثر، -فقال الرجل الإسرائيلي يوم أراد الله أن يرحمه، ويتناوله بعين الرضا- قال: لقد بلغ بهذا الكلب ما بلغ بي من الظمأ، فعاد إلى البئر، وملأ خفه من الماء؛ وقدمه إلى الكلب فشرب، فرضي الله عن هذا من فوق سبع سماوات، وأدخله الجنة}.
ويخبرنا عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم بمأساة عاشتها امرأة يهودية، كانت تحمل قلباً غليظاً، لكن على عالم القطط، وبعض الناس لا تظهر شجاعته إلا على القطط والكلاب؛ مقدام لكن على الكلاب، وشجاع وبطل لكن على القطط، وهذه المرأة الإسرائيلية أعلنت شجاعتها وبطولتها على قطة من القطط، فقد أغضبتها القطة؛ فحبستها في بيت، فأتت القطة تبحث عن الطعام، فلا طعام، لا هي أطعمتها وسقتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، فماتت القطة، فكان جزاء هذه المرأة أن عذبها الله في نار تلظى.
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يرى هذا المشهد حين صلى بالناس صلاة الكسوف في المدينة، فتأخر من المحراب خطوة، ثم تقدم خطوة، فلما سلم سأله الصحابة عن ذلك، فقال: {عرضت لي الجنة، فرأيتها في عرض الحائط، ورأيت عنقوداً من عنب لو أخذته لأكلتم منه ما بقيت الدنيا، ورأيت النار، ورأيت فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه بالنار -لأنه أول من أدخل الأصنام إلى جزيرة العرب - ورأيت امرأة تنهشها هرة تعذب في النار، لأنها حبستها في الدنيا}.