حضر عامر بن ثابت بن عبد الله بن الزبير المقابر، فبكى حتى أغمي عليه، وكان من تجار المدينة، فلما حمل إلى بيته واستفاق، وزن ديته أربع مرات، ثم أنفقها في سبيل الله، ثم قال: اللهم إني اشتريت نفسي منك أربع مرات، اللهم لا تخزني يوم لا تخزي نبيك وأصحابه، ثم قال: اللهم إني أسألك الميتة الحسنة.
قيل له: وما هي الميتة الحسنة؟ قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فحضرته سكرات الموت وأذان المغرب يرتفع حياً على هواء التوحيد، فنودي للصلاة، فقال له أبناؤه: صلِّ في بيتك فإن الله قد عذرك.
قال: لا والله، أأسمع حي على الصلاة حي على الفلاح وأصلي في بيتي؟! فحمل إلى المسجد، فلما صلى وأصبح في السجدة الأخيرة قبض الله روحه، وهذه هي الميتة الحسنة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مرت سحابة فسمع أحد الناس صوتاً في السحابة يقول: اسق مزرعة فلان، اسق مزرعة فلان، فتتبع السحابة فهطلت على مزرعة رجل، فأتى إلى الرجل وهو يعدل الماء بمسحاته، فقال: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: أنا فلان -بالاسم الذي سمعه في السحابة- قال: أسألك بالله، بأي خيرٍ نلت هذا، فإني سمعت صوتاً في السحابة ينادي باسمك، يقول: اسق مزرعة فلان؟ فقال له: أما وقد سألتني، فإن كل ما خرج من أرضي؛ أقسمه ثلاثة أقسام: قسم أتصدق به لمرضاة الله، وقسم أدخره لأهلي، وقسم أرده في هذه الأرض} أولئك الذين عرفوا طريق المال من أين يأتي وإلى أين يذهب.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما تصدق عبدٌ بعدل تمرة من كسب طيب -ولا يقبل الله إلا طيباً- إلا تقبلها الله بيمينه -انظر ما أحسن التعبير! - فرباها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه حتى تصبح كالجبل العظيم} هذه هي الصدقة، يوم يخلص العبد في دفعها ولا يرجو برها وثوابها إلا من الحي القيوم، جل الله تبارك وتعالى.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم! أنفق أُنفق عليك} فإن خزائن الله لا تتبدل ولا تتغير ولا تنقص.
وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة لابن آدم -يوم يستوقفه ويحاسبه ويجازيه، يوم يكلمه كفاحاً، يوم لا يكون بينه وبينه ترجمان- يا بن آدم! جعتُ ولم تطعمني -وفي لفظ: يا بن آدم! استطعمتك فلم تطعمني- قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟! قال: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته وجدت ذلك عندي.
يا بن آدم! استكسيتك فلم تكسني.
قال: كيف أكسوك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان، استكساك فلم تكسه، أما علمت أنك لو كسوته وجدت ذلك عندي.
يا بن آدم! مرضت فلم تعدني.
قال: كيف أعودك وأنت رب العالمين؟! قال: أما علمت أن عبدي فلان بن فلان مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته وجدت ذلك عندي؟!} حينها يتلهف العبد، ويود أنه أنفق كل شيء، وأنه قدم لنفسه، وأنه مهد للعمل الصالح.