كان يأتي الصحابي من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل المعركة يقول لأهله: أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، لن أعود إليكم بعد اليوم، فعل ذلك كثير منهم، ومنهم: عبد الله بن عمرو الأنصاري، أحد الشباب الأخيار في المعركة الفاصلة بين الكفر والإيمان، التي شحذ لها أبو سفيان ثلاثة آلاف مقاتل، فلما التقوا في أحد في المدينة خرج أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وخرج معهم عبد الله بن عمرو الأنصاري واغتسل في صباح ذلك اليوم، وتطيب ولبس أكفانه، وأخذ سيفه، وقال لبناته: [[استودعكن الله الذي لا تضيع ودائعه، لا لقاء معكم إلا في جنة عرضها السماوات والأرض]] فلما أتى موعود الله وعلم الله عز وجل أن هؤلاء النفر يريدون وجهه، رزق الله هذا الرجل الشهادة في سبيله، قال ابنه جابر: {رأيت أبي وقد قُطِّع أمام الرسول صلى الله عليه وسلم في معركة أحد قال جابر: فجعلت أكشف عن وجهه وأبكي فقال لي رسول الله: تبكيه أو لا تبكيه ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى رفعتموه} وفي تفسير ابن كثير بسند صحيح: {أن الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كلَّم هؤلاء النفر الشهداء - عبد الله بن عمرو وغيره من الشهداء- وقال: تمنوا علي -يقول: كلمهم الله بلا ترجمان مباشرة، قال: تمنوا علي- قالوا: نتمنى أن تعيدنا إلى الدنيا فنقتل فيك ثانية؟! لما وجدوا من طعم الشهادة ورفعتها وأجرها ومثوبتها- قال: إني كتبتُ على نفسي أنهم إليها لا يرجعون فتمنوا!! قالوا: نتمنى أن ترضى عنا فإنا قد رضينا عنك، قال: فإني قد أحللت رضاي عليكم فلا أسخط عليكم أبداً، قال الراوي: (قال صلى الله عليه وسلم: فأخذ الله أرواحهم، فجعلها في حواصل طير خضر، ترد مياه الجنة فتشرب من أنهارها، وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل معلقة في العرش، حتى يرث الله الأرض ومن عليها}.
يا لتلك التقوى التي عاشها أولئك النفر الصالح البار الراشد، الذي رباه محمد صلى الله عليه وسلم على سمع وبصر.