وهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، لما اتقى الله وكان قائد جيش المسلمين في مواجهة كسرى، جاء كسرى بثلاثمائة ألف مقاتل، وجاء سعد بثلاثين ألفا.
ثلاثون ألفاً مقابل ثلاثمائة ألف، فلما تلاقى الجمعان، أرسل سعد أحد شباب الإسلام، ألا وهو ربعي بن عامر، ذلك الشاب في الثلاثين من عمره، لا يملك من الدنيا شيئاً إلا ثوبه الذي عليه والرمح الذي بيده، والفرس التي يركبها، لكنه يملك أكبر طاقة في الحياة الدنيا وفي الآخرة، طاقة لا إله إلا الله، وطاقة أنه يعرف الله، ويريد وجه الله، فدخل ربعي على رستم، فلما رآه رستم ضحك وضحك وزراء رستم الكافر الذي ما عرف الله طرفة عين.
فقال لـ ربعي: أجئتم تفتحون الدنيا بهذا الفرس المعقور، وبهذا الرمح المثلم، وبهذه الثياب الممزقة، فرفع ربعي رأسه الذي رفعه محمد صلى الله عليه وسلم
إن البرية يوم مبعث أحمد نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها
فقال ربعي: [[نعم، ابتعثنا الله، لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام]] وكانت الواقعة، ونصر الله جنوده الذين كانوا يسجدون له، ويركعون له ويسبحون بحمده، وهزم الله أعداءه الكفرة الملاحدة الفجرة.
ودخل سعد رضي الله عنه وقد فر كسرى صاحب الإمبراطورية العاتية، الذي ظن أنها لا تهزم أبد الدهر، فلما دخل سعد ورأى إيوان كسرى، إيوان العدوان، والظلم، والبغي، والفجور، قال سعد: الله أكبر، فانصدع الإيوان، انصدع كما يقول أهل السير، فدمعت عينا سعد فرحاً بموعود الله، وقال: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:25 - 29].
لما اتقينا الله رفع الله -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- رءوسنا في القرون المفضلة، ونصرنا ومهد لنا الدنيا، وأعلى ذكرنا ورفع شامتنا، فلما داخلتنا المعاصي، داخلتنا الذلة، وأصبحنا منزوين مستضعفين مستذلين، أصبح هم الواحد منا -إلا من رحم الله- أن يملأ بطنه، وأن يقضي شهوة فرجه، وأن يسكن بيتاً وارفاً، وأن يركب سيارة فاخرة، أهذه أمنيات المسلم؟!
أهذا هو الطموح الذي يريده الله ويريده رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! لا والله!!