ثم يعود بعد الإرضاع ليتربى في قصر هذا الظالم الغاشم، قالوا: ولما درج وأصبح على وعي وعلى بصيرة ولكنه لا زال صغيراً؛ ضرب فرعون مرة من المرات كفاً قوياً على جبهته، وهذا الكف إيذان بهدم ملكه، وتدكيك إمبراطوريته؛ وإنهاء استعباده للعباد، كفاً حامياً يعلن القوة والعظمة، ويعلن أنه سوف يزلزل من هذا المكان، وغضب الكافر المارد، وازداد غضبه وتميز غيظاً وأمر بقتل هذا الغلام، ومرة ثانية تتدخل امرأة فرعون عليها السلام، فتقول: هذا لا يعقل ولا يعي شيئاً، أعرض عليه تمرة أو جمرة؛ فإن أخذ التمرة فقد وعى فاقتله، وإن أخذ الجمرة فهو لا يدري بشيء فاتركه.
ففعل وعرض عليه جمرة وتمرة، ولكن عناية الله تحرسه وتحفظه في أساليب لا يدركها البشر، امتدت يده عليه السلام إلى الجمرة فأخذها ووضعها على لسانه وبالفعل لذعت تلك اللسان الرطيب العذب الناطق بالحق، فتركه وأعفاه واستمر هذا الشاب ينمو في هذا القصر تحت رعاية الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وحمايته، وينزل من القصر ويتركه، لكن ما ندري ماذا حدث في هذه الفترة؟ لأن القرآن لا يتحدث إلا عن العبر والعظات في القصة، ينزل إلى الشارع يعاشر الناس وليعيش معهم.