ويوم أن ضعف التوحيد أتت شهادة الزور حتى أصبحت ظاهرة في المجتمع المسلم، ولم تكن من قبل فيه ظاهرة؟!
يوم ضعف التوحيد، وضعفت مراقبة الباري يأتي الشيخ الكبير في السن، في الستين أو في السبعين وقد شابت لحيته، ورق عظمه ودنا أجله وأصبح بينه وبين القبر قاب قوسين أو أدنى، فيذهب إلى القاضي ليبيع دينه وذمته وعهده في شهادة الزور، شهادة الزور التي قرنها الله عز وجل بالشرك فقال سبحانه: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج:30].
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {ألا أنبئكم بأكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك بالله، وعقوق بالوالدين، وكان متكئاً فجلس وقال: ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت}.
في بعض المجتمعات يأتي مسلم لم يحمل التوحيد فيبيع شهادته بآلاف، بعضهم يأخذ عشرة آلاف، وبعضهم مائة ألف، والله الذي لا إله إلا هو لو ملئت له الدنيا ذهباً وفضة في شهادة زور لهو الخسران الممحوق البركة سبحان الله! أتعادل أمانتك وذمتك بشيء من المال؟! قال سبحانه في أوليائه: {وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً} [الفرقان:72].
شهادة الزور فيها ثلاث مصائب:
1 - تضل القاضي فتجعله أعمى يحكم وهو معذور، ويكتب بقلمه ويوقع بخاتمه ولا يدري.
2 - أنها تحرم المسلمين حقوقهم وتصرفها إلى هؤلاء الظلمة.
3 - أنها تحبط سعي هذا المثبط وتوقعه على وجهه في نار جهنم والعياذ بالله.
ويوم ضعف التوحيد في القلوب أتت اليمين الغموس واقتطعت الأموال، وحلف الفاجر على أراضي الناس وأموالهم وممتلكاتهم ولو راقب الباري؛ لعلم أن بينه وبين الله خيطاً من التوحيد ولكنه قطع هذا الخيط.
جلس رجل عند القاضي شريح يريد أن يشهد، أحد الخصوم وهو يبكي ودموع الخصم تسيل على لحيته، قال: " يا أيها القاضي يا شريح! والله الذي لا إله إلا هو، والله الذي شق البحر لموسى إن هذا الشاهد يشهد علي زوراً ويأخذ بالزور أموالي" فقال شريح -وكان حكيماً ذكياً فطناً- للخصمين: اخرجا، فخرج الخصمان فأغلق الباب، وقال لشاهد الزور: يا شاهد الزور! سمعنا والله الذي لا إله إلا هو أن الله إذا جمع الأولين والآخرين في يوم لا ريب فيه، أسقطت الطيور ما في حواصلها من الخوف، ووضعت الحامل ما حملت، والمرضع ما أرضعت، ولا يفصل بين الناس حتى يصلى شاهد الزور النار " فبكى الشاهد وقال: أشهدك أني أعود عن شهادتي ثم خرج.
هذا في شهادة الزور؛ ويدخل فيها اقتطاع أموال المسلمين ظلماً وعتواً، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {من اقتطع مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان، قالوا: ولو شيئاً يسيراً يا رسول الله، قال: ولو كان قضيباً من أراك} راوي هذا الحديث سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وقد أتت امرأة من ضواحي المدينة في العقيق تشكوه إلى أحد الأمراء إلى مروان بن عبد الملك، قالت: غصبني مزرعتي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، فحاكمهما مروان في المسجد، قال: رد لها مزرعتها، قال: أنا أصبتها، قال: رد لها مزرعتها، قال: والله الذي لا إله إلا هو ما كنت أغصبها مزرعتها وقد سمعت الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {من اقتطع مال امرئ مسلم؛ لقي الله وهو عليه غضبان} اللهم إن كانت كاذبة فاعم بصرها واقتلها في مزرعتها، ثم أعطاها المزرعة، فبدأت هذه الأمور: عميت ثم ذهبت تريد الماء فانزلقت فوقعت على رأسها في البئر فماتت.
وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوَّقه الله من سبع أرضين يوم القيامة} حديث صحيح، قال بعض العلماء: طوَّق، والطوق من كل أرض بمقدارها، حتى يصبح في عنقه كالحديد لا يخرج ولا يلوس، والأرض طبقات بعضها فوق بعض متلاصقة، فالله يطوقه في هذا الشبر يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ، إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.