واعلموا -أيها المسلمون- أن من أعظم نتائج نقص التوحيد من نفوسنا قطيعة الرحم، وقطيعة الرحم جريمة ما سمع الناس بمثلها، أما رأيت القطر كيف جف؟! أما رأيت البلبل سكت وغاب عن البستان؟! أما رأيت الزهر كيف مات من القحط؟! أما رأيت قلة البركة في الأمطار بقطيعة الرحم! أما رأيت قسوة القلوب وجفاف الأرواح بقطيعة الرحم! أما رأيت البغضاء والحسد، والحقد والغل بقطيعة الرحم أما رأيت فساد بعض النشء بقطيعة الرحم قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:22 - 23]
يقول عليه الصلاة والسلام: {لا يدخل الجنة قاطع رحم} ونروي هذا الحديث على ظاهره {لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق:37].
أخت تشكو أخاها حرمها ميراثها، أخت تشكو أخاها لم يزرها منذ عشر سنوات.
أخ يبكي من أخيه هجره وقطعه، ما سلم عليه عشرات السنوات من أجل أرض، من أجل تراب، من أجل سيارة، من أجل حمار، من أجل شيء حقير لا رد الله عز وجل هذه الأرض، ولا رحم من شاجر من أجلها إلا أن يتوب.
قطيعة الرحم أمرها عجيب، يقول عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه: {ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها} يعني: ليس المعنى أنك المواصل، إذا وصلك أخوك وصلته، إنما المقصود: الواصل من إذا قطعك وصلته أنت، أو حرمك أعطيته، أو ظلمك رحمته، ولذلك روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {إن الله أمرني أن أصل من قطعني، وأن أعفو عمن ظلمني، وأن أعطي من حرمني} وصدقت والله، لقد وصلت من قطعك، وأعطيت من حرمك، وعفوت عمن ظلمك.
قطعك الأقارب فأتيت إليهم يوم مكة فقلت: {اذهبوا فأنتم الطلقاء} وقلت: {عفا الله عنكم} بعد أن أخرجوك وضربوا بناتك، وقاتلوك، وشتموك، وباعوا ديارك، فعفوت عنهم فقال الله لك: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:4].
يقول أحد الشعراء:
وإن الذي بيني وبين بني أبي وبين بني عمي لمختلف جدا
إذا أكلوا لحمي وفرت لحومهم وإن يهدموا مجدي بنيت لهم مجدا
ولا أحمل الحقد القديم عليهم وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لما خلق الله الرحم تعلقت بالعرش، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فذلك لكِ، فأنزلها الله على ذلك} فهو شرط من الله وعهد من الله من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله.
وفي صحيح مسلم أن رجلاً قال: {إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني} وهذا الصنف يوجد في القرى والقبائل، وفي المدن والبوادي تجد قريباً رحيماً بأقاربه وهم وراءه بالفئوس والشتائم والأحقاد والأحساد والمشكلات والعقبات، قال: {يا رسول الله! إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني، وأحسن إليهم فيسيئون إلي، وأعفو عنهم ويظلمونني، قال: إن كنت كما تقول؛ فلا يزال معك عليهم من الله ظهير، وكأنما تسفهم المل} والمل: هو الرماد الحار، يقول: لا يزال الله معك، والله نصيرك، والله في حزبك لأنك المصيب وهم المخطئون.
فوصيتي بصلت الرحم، بالزيارة والعدل وإعطاء الميراث، والكف عن الأذى، وإذا قطعوا فصلهم، وإذ ظلموا فاعف عنهم، وإذا منعوا فأعطهم، هذه أخلاق الإسلام.